08‏/04‏/2015

مقاصد الشريعة الإسلامية 5

مقاصد الشريعة الإسلامية 5

                  أدلة الشريعة اللفظية لا تستغنى  عن معرفة المقاصد الشرعية

      لم يستغن المتكلمون والسامعون عن أن تحف بالكلام ملامح من سياق الكلام , ومقام الخطاب , ومبينات من البساط , لتتظافر تلك الأشياء الحافة بالكلام على إزالة احتمالات كانت تعرض للسامع فى مراد المتكلم من كلامه .  
        
                انتصاب الشارع للتشريع

      إن رسول الله (صل الله عليه وسلم) هو الإمام الأعظم , والقاضى الأحكم , و المفتى الأعلم , فهو إمام الأئمة وقاضى القضاة وعالم العلماء .

 فما من منصب دينى إلا وهو متصف به فى أعلى رتبة , غير أن غالب تصرفه (صل الله عليه وسلم) بالتبليغ ؛ لأن وصف الرسالة غالب عليه

 ثم تقع تصرفاته : منها ما يكون بالتبليغ والفتوى إجماعا , ومنها ما يجمع الناس على أنه بالقضاء , ومنها ما يجمع الناس على أنه بالإمامة ,
 ومنها ما يختلف فيه لتردده بين رتبتين فصاعدا ؛ فمنهم من يغلب عليه رتبة ومنهم من يغلب عليه أخرى .

 ثم تصرفاته (صل الله عليه وسلم) بهذه الأوصاف تختلف آثارها فى الشريعة , فكل ما قاله أو فعله على سبيل التبليغ كان حكما عاما على الثقلين إلى يوم القيامة , فإن كان مأمورا به أقدم عليه كل أحد بنفسه وكذلك المباح , وإن كان منهيا عنه اجتنبه كل أحد بنفسه .

وكل ما تصرف فيه بوصف الإمامة لا يجوز لأحد أن يقدم عليه إلا بإذن الإمام ؛ لأن سبب تصرفه فيه بوصف الإمامة دون التبليغ يقتضى ذلك .

 وما تصرف فيه بوصف القضاء لا يجوز لأحد أن يقدم عليه إلا بحكم حاكم ؛ لأن السبب الذى لأجله تصرف فيه بوصف القضاء يقتضى ذلك .

         فهذه الفروق بين هذه القواعد الثلاث , وتحقق ذلك بأربع مسائل :

        المسألة الأولى : بعث الجيوش , وصرف أموال بيت المال فى جهاتها , وجمعها من محالها , وتولية الولاة , وقسمة الغنائم . فمتى فعل رسول الله (صل الله عليه  وسلم) من ذلك شيئا علمنا أنه تصرف فيه بطريق الإمامة دون غيرها .
 ومتى فصل بين اثنين فى دعاوى الأموال و أحكام الأبدان ونحوها بالبينات أو الأيمان والنكولات ونحوها فنعلم أنه إنما تصرف فى ذلك بالقضاء دون الإمامة .
وكل ما تصرف فيه بالعبادات بقوله أو فعله أو أجاب به سؤال سائل عن أمر دينى , فهذا التصرف بالفتوى والتبليغ ، فهذه المواطن لا خفاء فيها .
       وأما مواضع الخفاء والتردد ففى بقية المسائل , وهى :

       المسألة الثانية : قوله عليه الصلاة والسلام (من أحيا أرضا ميتة فهى له) اختلف العلماء فى هذا القول : هل هو تصرف بالفتوى فيجوز لكل أحد أن يحيى أرضا ولو لم يأذن له الإمام ؟ وهذا قول مالك والشافعى , أو هو تصرف بالإمامة فلا يجوز لأحد أن يحيى إلا بإذن الإمام ؟ وهو مذهب أبى حنيفة .

      المسألة الثالثة : قول رسول الله (صل الله عليه وسلم) لهند بنت عتبة زوج أبى سفيان لما قالت له : (إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطينى وولدى ما يكفينا ) فقال لها : (خذى من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف) .

      اختلف العلماء : هل هذا التصرف بطريق الفتوى فيجوز لكل من ظفر بحقه أو بجنسه أن يأخذه بغير علم خصمه به , أو هو تصرف بالقضاء فلا يجوز لأحد أن يأخذ جنس حقه أو حقه إذا تعذر أخذه من الغريم إلا بقضاء قاض !؟
     قد عرض لى الآن أن أعد من أحوال رسول الله (صل الله عليه وسلم) التى يصدر عنها قول منه أو فعل اثنى عشر حالا , منها ما وقع فى كلام القرافى ومنها ما لم يذكره . وهى :
1-   التشريع .
2-   الفتوى .
3-    القضاء .
4-    الإمارة .
5-    الهدى .
6-    الصلح .
7-    الإشارة على المستشير .
8-    النصيحة .
9-   تكميل النفوس .
10-   تعليم الحقائق العالية .
11-    التأديب .
12-   والتجرد عن الإرشاد .

     فوائد :1-  كل تصرف كان بغير حضور خصمين فليس بقضاء مثل ما فى حديث هند بنت عتبة المتقدم .

      2-  الفتوى والقضاء كلاهما تطبيق للتشريع . ويكونان فى الغالب لأجل المساواة بين الحكم التشريعى والحكم التطبيقى .


     3-    التشريع هو المراد الأول لله تعالى من بعثته حتى حصر أحواله فيه فى قوله تعالى : (وما محمد إلا رسول) ال عمران : 144 . فلذلك يجب المصير الى اعتبار ما صدر عن رسول الله (صل الله عليه وسلم) من الأقوال والأفعال فيها هو من عوارض أحوال الأمة صادرا مصدر التشريع ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك .

0 التعليقات: