مقاصد الشريعة الإسلامية 12
طلب الشريعة للمصالح
المصلحة بأنواعها تنقسم قسمين :
أحدهما : ما يكون فيه حظ ظاهر للناس فى
الجبلة يقتضى ميل نفوسهم إلى تحصيله ؛ لأن فى تحصيله ملاءمة لهم .
و
مثاله: تناول الأطعمة لإقامة الحياة , ولبس الثياب , وقربان النساء .
والثانى : ما ليس فيه حظ ظاهر لهم .
ومثاله : توسع الطرقات
وتسويتها , وإقامة الحرس بالليل .
فهذا ونحوه ليس فيه حظ ظاهر لفرد من
الأفراد فإن جمهور الناس لا يشعرون بالمنافع التى تنجز إليهم من معظم المصالح
العمومية ما دامت قائمة وإنما يشعرون بها متى فقدوها على أن بعض الناس قد يعيش
دهرا لا ينتفع ببعض المصالح العامة , مثل الزمن – المقعد - بالنسبة إلى مصلحة توسيع الطريق وتسويته .
لكل من قسميى المصلحة خصائص من عناية الشارع .
فالقسم الأول
ليس من شأن الشارع أن يتعرض له بالطلب ؛ لأن داعى الجلبة يكفى الشريعة مؤونة توجيه
اهتمامها لتحصيله وإنما شأنها أن تزيل عنه موانع حصوله , كمنع الاعتداء على أحد
بافتكاك طعامه ولباسه , ولذلك نجد البيع والنكاح فى قسم الإباحة وإن كانا مصلحتين
مهمتين يقتضيان لهما حكم الوجوب .
والقسم الثانى يتعرض له التشريع بالتأكيد ويرتب العقوبة على تركه
والاعتداء عليه , وقد أوجب بعضه على الأعيان وبعضه على الكفايات بحسب محل المصلحة
.
فالذى مصلحته لا تتحقق إلا بأن يقوم
به الجميع مثل حفظ النفس يكون واجبا على الأعيان , والذى مصلحته تتحقق بأن يقوم به
فرد أو طائفة يجب على الكفاية على الفرد أو على الجماعة كإنقاذ الغريق وإطفاء
النيران الملتهمة الديار .
ومن هذا القسم الإنفاق على الزوجات
والأبناء , ومواساة ذى الحاجة , وإضافة الغريب , وإجراء الوظائف لمن يقوم بأمور الأمة .
ما كان من العوارض المانعة للمصلحة خاصا بنفس صاحبه فعلاجه الموعظة الشرعية
والتربية .
وما كان معتديا إلى إضرار الناس
بالفعل أو بالقول مثل من يدعو الناس إلى إتباعه فى هذه الرعونات فعلاجه العقوبات .
فولى الأمر يجبر تارك الاكتساب بأن
يكتسب لعياله وينفى من يدعو الناس إلى بدعته
كما نفى عمر صبيغا عن البصرة .
وقد كان عمر ألزم المحتكرين للطعام
بأن يبيعوا ما يحتاج الناس إلى شرائه من الحبوب .
على هذا المنهج تنتهج الشريعة فى المحافظة
على أنواع المصالح باعتبار تصرف الناس فيها بالتسامح والتضييق فى القسمين
المذكورين آنفا .
فلكل أحد الاختيار فى حقوق الذاتية
الثابتة له على غيره التى هى من القسم الأول .
فله أن يسقطها إن شاء ؛ لأن كونها
حقوقا له وكونها مطلوبا بها غيره له مظنة حرصة على تقايضها .
فالشريعة تكله إلى الداعى الجبلى وهو
داعى حب النفوس والمنافسة فى الاكتساب .
فالإسقاط لا يكون إلا لغرض صحيح ؛
فإن تجاوز ذلك الحد فاختل الداعى الجبلى سمى سفها يمنع صاحبه من التصرف .
متى تعارضت المصلحتان رجحت المصلحة العظمى , ولهذا قدم القصاص على
احترام نفس المقتص منه ؛ لأن مصلحة القصاص عظيمة فى تسكين ثائرة أولياء القتيل
لتقع السلامة من الثأرات , وفى انزجار الجناة عن القتل , وفى إزالة نفس شريرة من
المجتمع .
فلو أسقط ولى الدم القصاص زالت أعظم
المصالح , فبقيت مصلحتان أخريان :
إحداهما : حاصلة من توقع عدم العفو ,
والأخرى تحصل باستصلاح حال الجانى بالضرب والسجن , فلذلك سقط القصاص بالعفو فيما
عدا قتل الغيلة وما عدا الحرابة ؛ لأن عظم الجريمة رجح جانب مصلحة إزالة نفس ظهر
شرها وبعد رجاء خيرها .
لأجل هذا أيضا كان إتلاف النفوس فى الذب عن
الحوزة غرضا صحيحا .
0 التعليقات:
إرسال تعليق