08‏/04‏/2015

مقاصد الشريعة الإسلامية 13

مقاصد الشريعة الإسلامية 13



                أنواع المصلحة المقصودة من التشريع

      مقصد الشريعة من التشريع حفظ نظام العالم وضبط تصرف الناس فيه على وجه يعصم من التفاسد والتهالك .

      تنقسم المصالح باعتبار آثارها فى قوام أمر الأمة إلى ثلاثة أقسام :

             ضرورية  و حاجية  وتحسينية .

      وتنقسم باعتبار تعلقها بعموم الأمة أو جماعاتها أو أفرادها إلى :

             كلية وجزئية

وتنقسم باعتبار تحقق الاحتياج إليها فى قوام أمر الأمة أو الأفراد إلى :

             قطعية  أو ظنية  أو وهمية .

       المصالح الضرورية : هى التى تكون الأمة بمجموعها و آحادها فى ضرورة إلى تحصيلها بحيث لا يستقيم النظام باختلالها بحيث إذا انخرمت تؤول حالة الأمة إلى فساد وتلاش .

ولكنى أعنى به أن تصير أحوال الأمة شبيهة بأحوال الأنعام بحيث لا تكون على الحالة التى أرادها الشارع منها .

       هذا القسم الضرورى بحفظ الدين والنفوس والعقول والأموال و الأنساب .

       قال الغزالى : وتحريم تفويت هذه الأصول الخمسة يستحيل أن لا تشتمل عليه ملة ولا شريعة أريد بها إصلاح الخلق .

وقد علم بالضرورة كونها مقصودة للشرع لا بديل واحد وأصل معين بل أدلة خارجة عن الحصر .
      قال الشاطبى : وحفظ هذه الضروريات بأمرين :

          أحدهما : ما يقيم أصل وجودها  

          والثانى : ما يدفع عنها الاختلال الذى يعرض لها .

      وأقول : إن حفظ هذه الكليات معناه حفظها بالنسبة لآحاد الأمة وبالنسبة لعموم الأمة بالأولى .
فحفظ الدين معناه حفظ دين كل أحد من المسلمين أن يدخل عليه ما يفسد اعتقاده وعمله اللاحق بالدين .

وحفظ الدين بالنسبة لعموم الأمة ، أى دفع كل ما شأنه أن ينقض أصول الدين القطعية  ويدخل فى ذلك حماية البيضة والذب عن الحوزة الإسلامية بإبقاء وسائل تلقى الدين من الأمة حاضرها و آتيها .

        ومعنى حفظ النفوس حفظ الأرواح من التلف أفرادا وعموما ، وليس المراد حفظها بالقصاص كما مثل بها الفقهاء بل نجد القصاص هو أضعف أنواع حفظ النفوس ؛ لأنه تدارك بعد الفوات ، بل الحفظ أهمه حفظها عن التلف قبل وقوعه مثل مقاومة الأمراض السارية .

         والمراد النفوس المحترمة فى نظر الشريعة وهى المعبر عنها بالمعصومة الدم ؛ ألا ترى أنه يعاقب الزانى المحصن بالرجم مع أن حفظ النسب دون مرتبة حفظ النفس .

          ومعنى حفظ العقل حفظ عقول الناس من أن يدخل عليها خلل ؛ لأن دخول الخلل على العقل مؤد إلى فساد عظيم من عدم انضباط التصرف ، فدخول الخلل على عقل الفرد مفض الى فساد جزئى ، ودخوله على عقول الجماعات وعموم الأمة أعظم .

 ولذلك يجب منع الشخص من السكر ومنع الأمة من تفشى السكر بين أفرادها ، وكذلك تفشى المفسدات مثل : الحشيشة  والأفيون و المورفين  والكوكايين والهروين.

         وأما حفظ المال فهو حفظ أموال الأمة من الإتلاف ومن الخروج إلى أيدى غير الأمة بدون عوض ، وحفظ أجزاء المال المعتبرة عن التلف بدون عوض .

         وأما حفظ الأنساب فالشك فى انتساب النسل إلى أصله يزيل من الأصل الميل الجبلى الباعث عن الذب عنه والقيام عليه بما فيه بقاؤه وصلاحه وكمال جسده وعقله بالتربية والإنفاق على الأطفال إلى أن يبلغوا مبلغ الاستغناء عن العناية .

         قال الشاطبى : هو ما يفتقر إليه من حيث التوسعة ورفع الحرج فلو لم يراع دخل على المكلفين الحرج والمشقة ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد المتوقع فى المصالح العامة .

         عناية الشريعة بالحاجى تقرب من عنايتها بالضرورى .

ولذلك رتبت الحد على تفويت بعض أنواعه كحد القذف .

(إيهاب : فائدة من الغياثي : الضروري بالنسبة للأمة هو الحاجي بالنسبة للفرد).

         والمصالح التحسينية هى عندى ما كان بها كمال حال الأمة فى نظامها حتى تعيش آمنة مطمئنة ولها بهجة منظر المجتمع فى مرأى بقية الأمم .

 حتى تكون الأمة الإسلامية مرغوبا فى الاندماج فيها أو فى التقرب منها .

         من التحسينى سد ذرائع الفساد فهو أحسن من انتظار التورط فيه .

        ونحن إذا افتقدنا إجماع سلف الأمة من عصر الصحابة فمن تبعهم نجدهم ما اعتمدوا فى أكثر إجماعهم فيما عدا المعلوم من الدين بالضرورة إلا الاستناد إلى المصالح المرسلة العامة أو الغالبة بحسب اجتهادهم الذى صير تواطؤهم عليه أدلة ظنية قريبة من القطع و إنهم قلما كان مستندهم فى إجماعهم دليلا من كتاب أو سنة ، ولأجل ذلك عد الإجماع دليلا ثالثا ؛ لأنه لا يدرى مستنده ولو انحصر مستنده فى دليل الكتاب والسنة لكان ملحقا بالكتاب والسنة ولم يكن قسيما لهما .

 مثاله جمع القرآن فى المصحف قد أمر به أبو بكر بطلب من عمر وتبعه بقية الصحابة .

 روى البخارى أن زيد بن ثابت قال : أرسل إلى أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر : إن عمر أتانى فقال : إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن , وإنى أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن , وإنى أرى أن تأمر بجمع القرآن , قلت لعمر : كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله (صل الله عليه وسلم) قال عمر : هو والله خير . فلم يزل عمر يراجعنى حتى شرح الله صدرى لذلك , وإنك رجل شاب عاقل لا نتهمك و وقد كنت تكتب الوحى لرسول الله (صل الله عليه وسلم) . قلت : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله ؟! قال أبو بكر : هو والله خير .

         فقول عمر : هو والله خير , ثم انشراح صدر أبى بكر نعلم منه أنه من المصالح لأن الخير مراد به الصلاح للأمة .

        طريق المصالح هو أوسع طريق يسلكه الفقيه فى تدبير أمور الأمة عند نوازلها ونوائبها إذا التسبت عليه المسالك .


وأنه إن لم يتبع هذا المسلك الواضح والحجة البيضاء فقد عطل الإسلام عن أن يكون دينا عاما وباقيا .

0 التعليقات: