حتي يغيروا ما بأنفسهم 8
الجانب
المهم
هو
التغيير الذي يقوم به القوم
والأمر الذي يجب أن نوليه اهتمامنا هو
واجب التغيير الذي يخصنا ، كقوم وكمجتمع . هذا التغيير الذي ينبغي أن نقوم به ،
يتعلق بما بالأنفس . وهنا نواجه وجهاً لوجه ، مشكلة الإنسان بكل ثقله وبكل تبعاته
، نواجه مشكلة مستقبله وتاريخه ، مشكلة تخلفه ورقيه . فلقد منح الله الإنسان
القدرة على أن يغير ما بنفسه وينتقل من حالة إلى حالة أخرى .
وعلينا أن ننظر إلى المجتمع على أنه كائن
له كيانه الخاص به ،
من هنا يتبين لنا أن الجهد المجدي للبشر
، في محاولتهم تغيير المجتمع من الشر إلى الخير أو بالعكس ، منطلقهُ الأنفس .
ولكن ما هذه الأنفس ؟
إن القرآن الكريم لم يهتم بكشف الحقيقة
عن كنه النفس ، لأنه على ما يظهر ليس محل جدوى ، إنما اهتم بموضوع التعامل مع
الأنفس لتغيير ما بها .
وهنا يرد التساؤل : هل بالنفس شيء
ابتداءً ؟ أم يوضع فيها كل شيء ؟ وكيف يرفع ما بها ؟ وكيف يستبدل بغيره ؟ وما
مقدار الصعوبات التي تقابل الإنسان في هذا المجال ؟
إن الله تعالى يقول عن الإنسان إنه
يستطيع أن يزكي النفس وأن يدسيها :
« قَدْ اَفلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَد
خَابَ مَنْ دَسَّاهَا » الشمس – 10 - .
فما هي مبادئ تَزكيةِ النفسِ التي تَجلبَ
الفَلاحَ ؟ وما عوامل تدسية النفس التي تجلب الخيبة ؟
على حسب ما يظهر ليس في النفس ابتداء ،
إلا القابلية للفجور والتقوى ، وهذا هو الخلق العجيب الصنع ، الذي أبدعه الله
تعالى على هذا الاستعداد العظيم من القابلية للفجور والتقوى . يقول الله تعالى في
هذا :
« وَنفسٍ وَمَا سَوَّاها فَألهمَهَا
فُجُورها وَتَقْواهَا » الشمس - 8 - .
إن الله خلق النفس وسواها تسوية عجيبة
فألهمها فجورها وتقواها ، هذه التسوية وهذا الإلهام من عمل الله تعالى ، ثم قال :
« قَدْ أَفلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ
خَابَ مَنْ دَسَّاهَا » .
هذا العمل عمل الإنسان ، إن الله نسب
التزكية والتدسية للعبد ، ونسب التسوية والإلهام للفجور والتقوى له سبحانه . وما
نُسب إلى العبد كذلك ، إنما باقدار منه تعالى بمنه وكرمه .
وقوله تعالى :
« حَتَّى يُغَيِّروُا مَا بِأَنفُسِهِم »
.
يفيد أنه يمكن أن توضع في النفس الأفكار
ابتداء ، كما يمكن أن يرفع ما فيها من مفاهيم ويوضع فيها أخرى ، وهذا أهم ، في
عملية التغيير ، من إنشاء الأمر ابتداء ، ومع ذلك أسند الله للبشر هذه القدرة في
إزالة المفاهيم واستبدال غيرها بها .
وجدير بنا أن نعمل الفكر والنظر في هذه
المهمة المنسوبة للبشر وعلينا أن نبصر ونتبصر ، والله تعالى يقول لنا :
« وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ
» الذاريات – 21 .
وكيف لا نولي هذا الموضوع اهتمامنا . وهو
مشكلة المسلمين ، بل ومشكلة البشر عامة ، لأن الأمر ليس بناء النفس الآن ابتداء
لأنها لم تعد على الفطرة ، بل هي في حاجة إلى هدم ثم بناء في آن واحد ، فإن مواريث
القرون الماضية قد غمرت النفوس بكثير من الآصار والأغلال ، فلا بد من إزالتها ،
وأن يحل محلها غيرها . كما لابد من إعادة الصفاء والوضوح للنفس حيث تراكم عليها
الصدأ والرين :
« كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون
» المطففون – 14 - .
معنى الفطرة :
ومعنى الولادة على الفطرة ، هو المعنى
الموجود في قوله تعالى :
« ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها
قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها » : الشمس 7-10 .
وليس معناه أنه يولد مسلماً ، فهو يولد
مسلماً بالاستعداد ، أما تحويله إلى مسلم بالفعل ، إنما يكون بعملية تزكية النفس ،
لام الإنسان الوليد لو ترك وشأنه منعزلاً لما صار مسلماً ، بل جعله مسلماً أيضاً
في حاجة إلى عمل البيئة والأبوين ومن يقوم مقامهما كما هو مشاهد .
ومعنى الفطرة بشكل أدق ، هو استعداد
للميل إلى الحق ، وهذا الاستعداد يجعله يختار الحق ، حين تترك له حرية الاختيار ، على
ألا يلحق هذا الاستعداد تشويه .
0 التعليقات:
إرسال تعليق