حتي يغيروا ما بأنفسهم 20
المنهج
والتطبيق
وهذا بالذات ما قصدته من إبراز هذه
النقاط في أضواء خاصة . والجانبان اللذان حاولت إبرازهما في هذا البحث :
1 - جانب فصل القاعدة عن التطبيق .
2 - جانب تعميم السنة .
1 - جانب فصل القاعدة عن التطبيق :
إن التطبيق قد يكون قريباً من القاعدة أو
بعيداً عنها بصور متفاوتة ، فالتطبيق قد يساعد على فهم القاعدة ، ولكن القاعدة بحد
ذاتها لها من قوة السًنَّةِ ما يجعلها تتصف بقوله تعالى « ولن تجد لسنة الله
تبديلا » أما التطبيقات فتتفاوت كثيرا . وبعبارة أخرى : التفريق بين النظرية
والتاريخ ، على اعتبار أن النظرية هي القاعدة والتاريخ هو التطبيق .
وبعبارة ثالثة أيضاً التفريق بين الإسلام
والمسلمين ، فالإسلام سُنة وقاعدة ، والمسلمون تطبيق وتاريخ . وهم مثال على
القاعدة ، ليس لهم من الحصانة ما يجعلهم يحتلون محل القاعدة .
ونتعلم نحن من هذا ، أن تبرئة الأشخاص لا
تساوي تشويه المنهج ، وأنه من الخير للأمة الإسلامية أن تبقى مبادئ منهجها سليمة
ناصعة قاطعة . وأن يوصف المخطئون المنحرفون عنها بالوصف الذي يستحقونه _ أياً
كانوا _ وألا تبرر أخطاؤهم وانحرافاتهم أبداً بتحريف المنهج وتبديل قيمه وموازينه
، فهذا التحريف والتبديل أخطر على الإسلام من وصف كبار الشخصيات المسلمة بالخطأ أو
الانحراف …
فالمنهج أكبر وأبقى من الأشخاص ، والواقع
التاريخي للإسلام ليس هو كل فعل وكل وضع صنع المسلمون في تاريخهم . وإنما هو كل
وضع وكل فعل صنعوه موافقا تمام الموافقة للمنهج ومبادئه وقيمه الثابتة …
إن تاريخ الإسلام هو تاريخ التطبيق
الحقيقي للإسلام في تصورات الناس وسلوكهم ، وفي أوضاع حياتهم ، ونظام مجتمعاتهم(1) . فالإسلام محور ثابت تدور حوله حياة
الناس في إطار ثابت ، فإذا هم خرجوا من هذا الإطار أو إذا هم تركوا ذلك المحور
بتاتاً فما للإسلام وما لهم يومئذ ؟ وما لتصرفاتهم وأعمالهم تحسب على الإسلام أو
يفسر بها الإسلام ؟ بل ما لهم يوصفون بأنهم مسلمون إذا خرجوا على منهج الإسلام
وأَبوا تطبيقه في حياتهم ؟ وهم إنما كانوا مسلمين لأنهم يطبقون هذا المنهج في
حياتهم لا لأن أسماءهم أسماء مسلمين ولا لأنهم يقولون بأفواههم أنهم مسلمون .
وليس معنى هذا أن بعض المصلحين لا
يتجرؤون على ذلك ، ولكن الواقع بثقله يتحدى الأفراد المصلحين ، ولن يتيسر لنا
الخروج من الخلط بين السنة والتاريخ ، إلا إذا تذوقنا أهمية السنة ، وطبيعة الصلة
بين السنَّة والرجال . فالرجل ليس سنَّة ، وإنما يخضع للسنَّة ، ويسعى لكشفها
وتطبيقها . ومهما كان هذا الرجل عظيماً فلن يتجاوز حد الرجل . ثم ليس مما يقلل من
قيمة الرجل أن يخطئ ، وكل ابن آدم خطاء . ولكن مع أخطائه يبقى مكانه محفوظاً ، ولا
يُقللُ من قيمته العملية كونُهُ لم يحط بكل شيء . ولكن حسبه أن يعطي شيئاً جديداً
مهما كان يسيراً . وسيحفظ له هذا الكشف مكانه ومقامه مهما سبقهُ من جَاءَ بعده .
وهذا هو التقدير الصحيح للرجال ، لا أن نرفعهم فوق ما يستحقون ، ونعطي لهم العصمة
التي لم يعطها لهم الله ورسوله وأولو العلم القائمون بالقسط .
إننا حين نكتسب النظرة الصحيحة إلى
التاريخ ، ووضعه في مكانه ، لا يزعجنا خطأ رجل أياً كان هذا الرجل ، لأن لدينا ما
يعصمنا من وضع الرجل مكان السنن . إن هذا الفهم ليس يعصمنا من خطئه فقط ، بل
يجعلنا نستفيد من صوابه ، أيَّما فائدة ، متخذين الصواب الذي انتهى إليه منطلقاً
لنا ، لا مكانا للوقوف عنده أو التراجع عنه .
وأرى أن الصفحة الأولى من كتاب هذا الدين
من أروع ما تركه سيد رحمه الله . فعند الحديث عن طبيعة هذا الدين وطريقة عمله في
حياة البشر تبرز الحقائق التالية :
1 - حقيقة أولية بسيطة .
2 - ومع بساطتها كثيراً ما تنسى .
3 - ونسيانها ينشأ عنه خطأ جسيم .
ثم يقول : وحين يذكَّرون بهذه الحقيقة :
1 - فانهم يصابون بخيبة أمل لم يكونوا
يتوقعونها .
2 - أو يصابون بخلخلة في ثقتهم بجدية
المنهج الديني .
3 - أو يصابون بالشك في الدين إطلاقاً .
ثم هذه السلسلة من الأخطاء نتيجة خطأ
واحد ، وهو عدم إدراك طبيعة هذا الدين أو نسيانها .
ولو أن إنساناً خصص حياته كلها لبحث هذه
النقاط وكشف مصادرها التاريخية وبواعثها النفسية وآثارها الاجتماعية ، وقرب ذلك
للإفهام وفصلها تفصيلاً حتى يبلغ بها درجة البلاغ المبين ، لكانت هذه الحياة ،
حياة مباركة طيبة .
كم من حقائق قرآنية أولية بسيطة على مسمع
كل أحد في قارعة الطريق ! ولكن مع هذا كله لا ينتبه إليها منتبه ! وكم من المصائب
التي تسد علينا منافذ الحياة تنشأ عن هذا النسيان وعدم الانتباه ! وكم من الآلاف
المؤلفة من الشباب يصابون بخيبة أمل ، أو بخلخلة في ثقتهم بجدية المنهج الديني حين
يكشفون الحقيقة ، لأنهم يعيشون على الوهم متقوقعين ! ثم كم من الشباب يصابون بالشك
في الدين إطلاقاً ، ويظهر عليهم آثار ذلك بأساليب مختلفة ، لكل موسم ما يناسبه ، …
إنه الامتلاء بالأوهام . أجل إنها مشكلة مجتمع ، مشكلة جيل ضائع متخم بالأوهام ،
ومجاعة من إدراك سنة الحياة .
(1)
أن مصطلح تاريخ الإسلام ليس دقيقاً في بيان المراد لأن الإسلام ليس له تاريخ
المعنى الذي يطلق به كلمة التاريخ لي المسلمين لأن التاريخ هو سلسلة التغيرات .
والإسلام هو مجموعة السنن الثابتة .
0 التعليقات:
إرسال تعليق