حتي يغيروا ما بأنفسهم 15
كيف
تلقى السنن القبول عند المسلمين
والذي يحول دون استفادة المسلمين من سنن
التغيير وتطبيقاتها ، أن الذين يبحثون هذه الأمور ويمارسونها - إن كان هناك من
يمارسها - لا يستطيعون ربطها بمبرراتها من كتاب الله وسنة رسوله . وذلك إما لجهلهم
بالكتاب والسنة ، أو لاعتقادهم أن هذه السنن لا يعترف بها القرآن ولا السنة . بل
ربما استخدموا هذه السنن لعزل المسلمين عن عقيدتهم بسبب جهلهم لحائق القرآن أو
بسبب تجاهلهم لها . ولكن ما لنا ولهؤلاء الذين شأنهم هكذا ، فما بال أولئك الذين
يتعلقون بالقرآن والسنة بكل ما أوتوا من حماس إيماني ، متوارث خلال العصور المديدة
! إن هؤلاء لهم مشكلة أخرى معاكسة لمشكلة أولئك ، فهم لا يعيرون اهتماماً للبحوث
التي تعني بتغيير المجتمعات ، لا لأنهم لا يشعرون أن محيطهم لا يحدث فيه تغيير ،
بل لأنهم إلى الآن لم يمكنهم أن يدركوا ارتباط هذا التغيير بالسنن النفسية على
التغيير ، سواء في إيقاف التغيير أو إبطائه أو تغيير وجهة سيره في الجانب الذي
يريدون . فمن هنا لا يخطر لهم أن يصرفوا جهداً في هذه الدراسات ، فضلاً عن أن يروا
مواطنها وأصولها من الكتاب والسنة .
وأهم شيء يحث عليه القرآن ومن أجله أنزل
الله الكتب وأرسل هو تغيير المجتمعات . فلهذا كان الإلحاح في القرآن لينظر الناس
إلى سنن الذين خلوا من قبل . والسنة (القانون) ، وهي التي على أساسها ترتفع وتنخفض
المجتمعات ، وعلى أساسها يكافئ الله ويعاقب . وعلى البشر أن يتفهموا هذه السنن ،
حتى ينالوا رحمة الله ويبتعدوا عن انتقامه . لهذا يقول الله تعالى : « وإن يعودوا
فقد مضت سنَّة الأولين » الأنفال - 38 - أي وإن يعودوا لأعمالهم الفاسدة الناشئة
عن تصوراتهم ، واعتقاداتهم الخاطئة ، فقد مضت سنَّةُ الله في نزول العقاب على أمثال
هؤلاء .
ويقول الله تعالى أيضاً : « ولقد أرسلنا
من قبلك في شيع الأولين ، وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ، كذلك نسلكه
في قلوب المجرمين لا يؤمنون به وقد خلت سنَّة الأولين . ولو فتحنا عليهم باباً من
السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سُكرت أبصارنا بل نحن قومٌ مسحورون » الحجر -
11 - 15 .
في هذه الآيات بين الله تعالى كيف أن ما
بأنفس هؤلاء القوم من الأفكار ، راسخة ثابتة وجامدة ، وكيف أن نظر هؤلاء محدوداً
جداً ، وأن هذه المحدودية في النظر تحول بينهم وبين أن يكون محتملاً عندهم وجود
طريقة للحياة أفضل مما هم عليه .
والبشر في سيرهم ، تتراكم الأمثلة
والنماذج أمامهم ليعتبروا بها ، ويستفيدوا منها . فلهذا يدخل في سنَّة الاعتبار ،
الأحداث التي حدثت بعد نزول القرآن ، خلال هذه العصور في كل أقطار الأرض ، سواء في
المجتمعات المؤمنة ، أم الكتابية أم الوثنية ..
وحين يتعلم الإنسان كيف يتعامل مع السنن
، يستطيع أن يستفيد من أخطاء ومن صواب الكافرين ، فضلاً عن المؤمنين ، وذلك إذا
تمكن أن يصل إلى درجة التعامل مع السنن مباشرة دون أن تتدخل عداوة أو صداقة من سخر
هذه السنن .
إن هذا المستوى من الإدراك ، لا يصل إليه
إلا من كانت منافذ الفهم وإدراك الصواب لديه مفتوحة ، حيث لم يتوصل التقليد إلى
إغلاقها . وهذا ما يحثنا الله سبحانه وتعالى على فعله حين يصف لنا أولي الألباب :
« فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أولئك الذين هداهم الله وأولئك
هم أولوا الألباب » الزمر - 18 - .
إن الاستكبار الذي جعله الله سبباً لأن
يحيق بهم المكر السيئ في الآيات التي سبق أن ذكرناها ، إنما هو ما ذكره الله هنا
من العمى والصمم ، والإقفال على القلوب ، لأن الاستكبار حالة نفسية ، أي فكرة
خاطئة بالنفس ، تجعل الإنسان مستكبراً ، يقول مالا يفعل ويدعي مالا يقدر عليه . كل
ذلك ناشئ من التقدير الخاطئ للواقع والسنن ، ناشئ من نظر ذاتي محدود …. والإنسان
ذو الفهم الصحيح والإدراك الجيد لوقائع التاريخ لن يكون مستكبراً ، إذ أن
الاستكبار إنما منبعه فراغ في الفهم ، وفراغ في إدراك الحقيقة .
إن المستكبر يتصف بالبعد عن النظر
الموضوعي(1) ، وهذا البعد مبعثه الغرور ، الذي هو
محتوى نفسي خاطئ .
ومشكلة الاستكبار تلقى اهتماماً كبيراً
في القرآن ، لأن الفارغ عن فهم الحقيقة يكون مستكبراً حين يملك ، ويذل إن زال عنه
الملك . والمؤمن لا يكون مستكبراً حين يملك ، ولا ذليلاً إن أصابته مصيبة .
إن إدراك السنن والتعامل معها ، هو الذي
يجعل الإنسان يمشي سوياً على الأرض ، ومن يجهلها فهو المكب : « أفمن يمشي مكباً
على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم ؟ » الملك - 22 - .
(1)
النظر الموضوعي : أن ترى الشيء أو الحدث كما هو عليه . والنظر الذاتي : أن ترى
الحدث أو الشيء كما تريده أنت ، ولا يشترط أن يكون كما هو في الواقع ، وإنما
يتخيله الذهن ، كما كان الناس يتخيلون دوران الشمس حول الأرض .
0 التعليقات:
إرسال تعليق