حتي يغيروا ما بأنفسهم 17
العقل
والسنن في القرآن
وهذا الموضوع ، موضوع السنَّة ، ربما
يمكن تَقبلهُ بدون صعوبةٍ كبيرة ، إلا أن المشكلة ، مشكلة العقل ، وما يعترض له من
الركود والعطالة ، من أداء وظيفته ، أو ارتباطه الوظيفي بسنن الكون ، هذه الوظيفة
، وظيفة التسخير .
ولقد اعتنى القرآن الكريم ، عناية بالغة
، واستنهض الهمم ، حتى لا يفقد العقلُ مَضَاءهُ وقُوته ، في إدراكه لسنن الحوادث
والاعتبار بها . واعتبر الذين عطَّلوا قلوبهم كالأنعام بل هم أضل .
والعطالة ، التي تصيب العقل عند الإنسان
، لها مصدرٌ أساسي وهذا المصدر له بعد ذلك أعراض أخرى تدل عليه .
والمصدر الأساسي للعطالة : العقيدةُ
العبثيةُ في الوجود والكون ؛ اعتقاد العبث واللعب في الوجود . يقول تعالى في هذا :
« وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين » الدخان - 38 - . وقوله تعالى : «
أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً » المؤمنون - 115 - .
إن العقيدة العبثية في الكون هي ، عدم
رؤية النظام ، وعدم رؤية السنن ، وعلاقة الطاقة المفكرة الإنسانية بسنن الكون .
وهذا هو ظن العبثية في الوجود . عن الذي لا يرى هذه العلاقة ، وهذا الارتباط ، لا
يمكن أن يقدر المسؤولية الدنيوية ، ولا المسؤولية الأخروية ، أي لا يقدر المسؤولية
الاجتماعية ، ولا المسؤولية الفردية - كما سبق - أن شَرحنا ذلك .
إن هذه العقيدة العبثية ، توارثناها على
مر القرون ، إن لم تكن باسمها فبمحتواها ، وتغلغلت هذه العقيدة في النفوس ، وشملت
القمة والقدمين . ومهما تفاوتت هذه العقيدة في الرسوخ ، إلا أنها استقرت بشكل فعال
، وساهمت في شلل الفكر والعمل ، في العالم الإسلامي . وهذا الشلل في الفكر ، الذي
أشرنا إليه في إغلاق باب الاجتهاد ، إنما هو جنين ، ووليد لهذه الآفة ، التي نتحدث
عنها الآن ، وهي : عدم رؤية علاقة الطاقة الفكرية في الإنسان ، بسنن الكون . وظن
الفوضى ، وعدم الخضوع للسنن ، في أحداث الكون .
ومادامت هذه العلاقة غير ثابتة ، وغير
موجودة ، وغير معترف بها ، فلا جدوى من إعمال العقل والفكر .
فهذه الآفة التي تسللت إلى الفكر
الإسلامي ، دون اسم معين ، أو باسم تعظيم السلف ، وتعظيم السلف ، وتعظيم القدرة
الإلهية ، التي لا تدع للبشر مجالاً للعمل . هذه الآفة ، ولدت بعد ذلك أجنتها ،
التي نمت وترعرعت ، وصار لها أحفاد وذرية . إذ ما دام الأمر يسير على غير سُننٍ
يُمكنُ أن نتبعها ، فلا جدوى من إعمال الفكر لكشف حل ، وتغيير واقع .
والقرآن الكريم ، يعدد الآفات التي تتولد
عن العقيدة العبثية في الوجود . ونذكر منها خمسة :
1- الغفلة .
2- الإعراض .
3- التكذيب .
4- الهوى .
5- تقليد الآباء .
0 التعليقات:
إرسال تعليق