08‏/05‏/2019

حتي يغيروا ما بأنفسهم 4

حتي يغيروا ما بأنفسهم 4
سُنَّةُ مُجْتَمَعٍ لا سُنَّةُ فَرْدٍ
كذلك إن الآية ، حين تبين هذه السنة ، تبين أنها ، سنَّة اجتماعية لا سنَّة فردية ، بمعنى أن كلمة « بقوم » تعني الجمع أو الجماعة التي يطلق عليها أمَّة ، أو مجتمع .

ولكي نقرب الموضوع إلى الأذهان أكثر نقول : إن الله تعالى يقول :
« إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون . الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مشتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين » الأنفال – 66 - .
نفهم من هذه الآية أن صبر عدد قليل كعشرة أمام ألف لا يشترط إحراز النصر ، فكأن الآية تتحدث عن توازن في الكم والكيف ضمن حدين . ويمكن الاختلاف على اعتبار أن العدد لا مفهوم له . ولكن الذي لا يمكن الخلاف عليه هو اعتبار التوازن في الكم والكيف ، وزيادة الكم حين يضعف الكيف ، وهذا واضح في قوله تعالى :
« الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين » ، بعد أن كانوا يغلبون ألفاً .
فمن هنا نفهم ، أن الغلب أو النصر الذي يحرزه المجتمع ، أو الأمة المخاطبة بقوله : (منكم) لا يتم بثبات فرد ، أو بأن يكون ما بنفس فرد قد تغير ، إذ لا بد من ثبات عدد معين ، له حد أدنى وأعلى ، وإن كانت آية الأنفال هذه تحدد الكم ، وتدخل عامل الكيف ، الذي جاء بحثه في موضوع خاص ألا وهو الثبات في المعركة . إلا أن هذه الخصوصية ليست محصورة في المعركة القتالية ، فمعارك الحياة كثيرة ، فمعركة بناء المجتمع كذلك تحتاج إلى التوازن نفسه .

ومعركة التعامل مع سنن الله على أساس الوعي ، أمر يشمل الكافرين والمؤمنين ، وأن الفقه لسنن الله يعطي النتائج حتى للكافرين ، ولهذا لما قال تعالى :
« يغلبوا ألفاً من الذين كفروا » أعقبه بقوله « بأنهم قوم لا يفقهون » فهذا يدل على تدخل فقه الكافرين أيضاً ، كماً وكيفاً ، ولاسيما الفقه لسنن الحياة الدنيا كما سنبحثه فيما يأتي ، لأن الله يمد المؤمنين والكافرين :
« كُلَّاً نُمِدُّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً » . الإسراء – 20 - .
وهذا النظر إلى الموضوع يبين ، خطورة أن يبقى في المجتمع أعداد ، مهما كانوا قلة ، لا يتمتعون بالوعي التام لقضايا المجتمع . وكذلك ، خطورة عدم وجود العدد الكافي ، أو الحد الأدنى ، من الذين يعون الأمور على هذا الأساس من النظر . وإدراك ضرر وجود غير الواعين في الأمة ، يولد لدى المجتمع شعوراً بالخطر ، أن يكون المركب الذي يسير بالمجتمع ، يحتوي على نماذج لا تعرف سنن طفو الأجسام على الماء ، فيسعون بحسن نية، أو سوء نية ، لخرق السفينة ، كما ورد في الحديث الشريف الصحيح .

علينا أن ندرك ؛ أن التوازن الدقيق في وعي المجتمع ، يتأثر كما يتأثر توازن المركب ، بحيث لو أن ذبابة وقعت على طرف المركب ، أثرت في توازنه مهما كان التأثير ضئيلاً . كما أن الجسم الإنسان نفسه ، قائم على مثل هذا التوازن الدقيق في عوامل الصحة والمرض ،

وإدراك الموضوع بهذا المستوى ، يجعل المرء يشعر بقشعريرة حين يتذكر أنه سيسأل عن عمره فيم أفناه ، هذا العمر الذي يبعثره . وسيسأل عن الإمكانات الأخرى التي أهملها وضيعها حين لم يسع إلى تحويل ما أودع الله في نفسه من إمكانيات بالقوة إلى إمكانيات بالفعل .

0 التعليقات: