14‏/05‏/2019

حتي يغيروا ما بأنفسهم 13

حتي يغيروا ما بأنفسهم 13
يظهر أثر ما بالنفس
ولو كان ما بالنفس وهماً

يبقى سلوك الإنسان مترتباً على ما بنفسه ، بغض النظر عن صواب وخطأ ما بالنفس . فقد يقتنع الإنسان بوهم من الأوهام إلا أنه يصدقه كأنه حقيقة ، فهذا الوهم يتسلط على سلوك الإنسان ومواقفه إزاء الأحداث . ومن هنا نعلم أن الناس الذين يحملون أوهاماً عن أي أمر من الأمور ، تأتي نتيجة أعمالهم وفقاً لهذا الوهم ، ويتصرفون طبقاً للوهم الذي انطبع في نفوسهم ، كما تصرف العملاق حين شاهد القدمين ، وتوهم أن والد الطفل الذي هذا شانه سيكون ضخماً جداً ، وعلى هذا ينسحب بسرعة من الورطة التي وقع فيها ، فإن ما حدث من الوهم في نفسه وقنع به ، أعقب عنده هذا المسلك المضحك لمن يعرف حقيقة الأمر . ولكن العملاق لم يكن ضاحكاً حين هرب ، بل كان جاداً كل الجد .

إن مثل هذا الموقف يمكن أن يحدث لأية أمة من الأمم ، ولأي شعب من الشعوب إذا حمل أفكاراً وهمية عن خصمه أو صديقه ، سواء في الاعتماد عليه في موضعه كإقدام العملاق أولاً بكل حماس ، ثم انسحابه المريع مرة أخرى بكل خزي وعار . وسيظل يقبل ويدبر ما دام ما بنفسه عن الموضوع ليس حقيقة ، وإنما أوهام كونها هو بنفسه ونظراته الذاتية الخاصة ، أو وضعها له اختصاصي بارع .

وهذا الموضوع بحر متلاطم الأمواج علينا أن نتذكر ما مَّرت به الأفكار من الغموض إلى أن وصلت إلى درجة الوضوح والتسخير

كذلك موضوع تسلط الأوهام على البشر حين تحول بينهم وبين رؤية مشكلة على حقيقتها .
يذكر راسل(1) كيف يُشِلُّ الخوفُ الناشئ من الوهم المتسلط ، جهدَ الكائن الحي حتى في مجال الحيوان . يذكر عن دابة كانت في مكان وقد حدث أن شبت النيران فيه ، وبذل المشرفون على إطفاء الحريق جهودا شاقة في إنقاذ الدابة وإخراجها من المكان الذي هي فيه ، ولم يكن الجهد صعبا إلا لأن الدابة لا تريد الخروج لما سيطر عليها من الوهم وأصابها من الخوف . وراسل على أسلوبه الساخر ، لا تفوته الفرصة في أن يعمم هذه القاعدة ، التي على أثرها قامت الدابة بتعطيل جهد الذين سيسعون لإنقاذها . قال راسل : أن الخوف الناشئ من الأوهام المتسلطة على عقول ساسة العصر ، الذين يشرفون على هذا العالم ، وهم لا يقلون تأثراً بالأوهام عن الدابة ، يمنعهم من الخروج من المشاكل الوهمية المحيطة بهم والتي تعرضهم لأخطار متزايدة على مر الزمن » .

ويمكن أن نرى مجتمعاً بأكمله يصاب بمثل هذه الأوهام . وفي الواقع إن الغزالي كان بارعا حين قال : « وأكثر إقدام الخلق وإحجامهم بسبب هذه الأوهام ، فإن الوهم عظيم الاستيلاء على النفس » .

 (إن ثورة اجتماعية توشك أن تعم العالم الإسلامي كله . إننا لا نشك في هذا لحظة .. بل نراها كما نرى الشمس الساطعة . وسيكون عنوان الثورة « حرية الفكر والضمير » . فإذا لم تحملوا أنتم هذه الرايات وأنتم أحق بها من غيركم فسيحملها غيركم ….
ثم يقول : لا تستهينوا أيها السادة بهذه الكلمات فإن الشعوب الإسلامية سائرة إلى هذا المصير وعلى هذه الطريق ولن يثنيها عن ذلك شيء … فاحذروا .. احذروا ان تفلت الرايات من أيديكم) .
نجد مثل هذا الكلام تحت عنوان همسات في أذن قادة الرأي والفكر في ديار الإسلام . أي أن الحديث عن هذا لم يتجاوز بعد الهمسات فقط وفي أذن البعض أيضاً وفي ؟أسلوب خطابي .
حقاً إن الأمر يحتاج إلى همس ، إذ أن ثلوج جمود الفكر وحبس الضمائر لم يذبها بعد شعاع التبصر والاعتبار « فاعتبروا يا أولي الأبصار » الحشر – 2 .




0 التعليقات: