حتي يغيروا ما بأنفسهم 10
لتحقيق
التغيير لا بد من تغييرين
تغيير القوم ، وتغيير الله ، لا بد من
توفرهما جميعاً ، ليتحقق التغيير .
كما لابد من أسبقية التغيير الذي يحدثه
القوم . ألا أن بين هذين التغييرين ترابطاً ، فإذا وقع التغيير الذي يخلقه الله ،
دلَّ ذلك قطعاً على أن التغيير الذي يقوم به القوم ، قد سبق أن حدث ، لأن الله
تعالى اشترط هذه الأسبقية .
كما أنه إذا تحقق التغيير الذي تقوم به
القوم ، فإن التغيير الذي يخلقه الله سيتم على أساس وعد الله تعالى الذي لا يخلف
الميعاد وسنته التي لن تجد لها تحويلا .
ولكن علينا أن ننتبه إلى أن هذا التعهد
إنما هو في مجال القوم - أي الجماعة أو المجتمع - لا في مجال الفرد ، وفي مجال
الدنيا لا في مجال الآخرة . كما أنه لا يلزم أن يحدث التغيير للفرد الواحد إن غير
ما بنفسه ، وإن كان يمكن أن يحدث ذلك في بعض الأمور الخاصة مثل السلوك الفردي ،
وعلى كلٍ فإن هذا الوعد أو هذه السنة في هذه الآية سنَّة اجتماعية ، لا سنَّة
فردية .
وعلى هذا الأساس ، فكل تغيير يحدث لما
بالقوم سواء في الوعي ، والصحة ، والاقتصاد والسياسة والنصر والعزة ، وسائر صنوف
النعم والنقم ، يتضمن هذا التغيير ، تغييرين : تغيير القوم ، وتغيير الله .
والله تعالى هو الذي يخلق النتائج ، لأن
الإنسان لا قدرة له على خلق النتائج ، وإنما مجال الإنسان يتمركز في الاستفادة من
السنن الموضوعة .
ويمكن أن نفهم هذا الموضوع بوضوح في قوله
تعالى :
« أفرأيتم ما تُمْنُوْنَ أَأَنْتُم
تخلقونه أم نحن الخالقون ؟ .. أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أن نحن الزارعون ؟
» الواقعة - 64 .
هنا أثبت الله للإنسان عملاً ، وأثبت
لذاته خلقاً ، ولكن هذا لا يتم إلا إذا عمل الإنسان ما يخصه من العمل مهما كان
تافهاً .
وهذا مثال مقرب في التمييز بين عمل
الإنسان وخلق الله . وكذلك الزرع ، فإن الإنسان يغرس ولكن سنة الإنبات ، وسنَّة
صنع الثمار ليست من قدرة البشر ، وإنما يقوم الإنسان هنا أيضاً - كما في كل الأمور
التي يقوم بها - بعمل بسيط جداً مثل غرس النبات ، والله بعد ذلك هو الذي يخلق تلك
النتائج البديعة . فهذا مثل قرآني قريب واضح لكل واحد من الناس ، ويمكن لأبسط
إنسان أن يمارسه لأنه يقع تحت ملاحظته . وهذا المثل القرآني يُطمئِنُ قلب المؤمن
إلى صدق هذه القاعدة ، ذات الأهمية البالغة فيما أنيط بالإنسان من أمانة ومسؤولية
في مصيره كمجتمع في الدنيا ، وفي مصيره كفرد في الآخرة .
كما أن من المفيد أيضاً في هذا الموضوع ،
تفهم القاعدة التي يقررها ابن تيمية كثيراً ، من أن مشيئة الله قسمان :
1- مشيئة كونية .
2- ومشيئة شرعية .
فالمرض مشيئة كونية يمكن للإنسان أن
يبطلها لاتخاذ الأسباب .
والزكاة مشيئة شرعية ولا يجوز مخالفتها
أو التحايل عليها .
ومن الخطأ البالغ ، أن يُظن أن الله يؤتي المُلك
لقوم لم يهيئوا أنفسهم لذلك ، كما أن العزة والذلة لا يوزعها الله جُزافاً .
0 التعليقات:
إرسال تعليق