14‏/05‏/2019

حتي يغيروا ما بأنفسهم 10

حتي يغيروا ما بأنفسهم 10
لتحقيق التغيير لا بد من تغييرين

تغيير القوم ، وتغيير الله ، لا بد من توفرهما جميعاً ، ليتحقق التغيير .
كما لابد من أسبقية التغيير الذي يحدثه القوم . ألا أن بين هذين التغييرين ترابطاً ، فإذا وقع التغيير الذي يخلقه الله ، دلَّ ذلك قطعاً على أن التغيير الذي يقوم به القوم ، قد سبق أن حدث ، لأن الله تعالى اشترط هذه الأسبقية .
كما أنه إذا تحقق التغيير الذي تقوم به القوم ، فإن التغيير الذي يخلقه الله سيتم على أساس وعد الله تعالى الذي لا يخلف الميعاد وسنته التي لن تجد لها تحويلا .
ولكن علينا أن ننتبه إلى أن هذا التعهد إنما هو في مجال القوم - أي الجماعة أو المجتمع - لا في مجال الفرد ، وفي مجال الدنيا لا في مجال الآخرة . كما أنه لا يلزم أن يحدث التغيير للفرد الواحد إن غير ما بنفسه ، وإن كان يمكن أن يحدث ذلك في بعض الأمور الخاصة مثل السلوك الفردي ، وعلى كلٍ فإن هذا الوعد أو هذه السنة في هذه الآية سنَّة اجتماعية ، لا سنَّة فردية .
وعلى هذا الأساس ، فكل تغيير يحدث لما بالقوم سواء في الوعي ، والصحة ، والاقتصاد والسياسة والنصر والعزة ، وسائر صنوف النعم والنقم ، يتضمن هذا التغيير ، تغييرين : تغيير القوم ، وتغيير الله .

والله تعالى هو الذي يخلق النتائج ، لأن الإنسان لا قدرة له على خلق النتائج ، وإنما مجال الإنسان يتمركز في الاستفادة من السنن الموضوعة .
ويمكن أن نفهم هذا الموضوع بوضوح في قوله تعالى :
« أفرأيتم ما تُمْنُوْنَ أَأَنْتُم تخلقونه أم نحن الخالقون ؟ .. أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أن نحن الزارعون ؟ » الواقعة - 64 .
هنا أثبت الله للإنسان عملاً ، وأثبت لذاته خلقاً ، ولكن هذا لا يتم إلا إذا عمل الإنسان ما يخصه من العمل مهما كان تافهاً .

وهذا مثال مقرب في التمييز بين عمل الإنسان وخلق الله . وكذلك الزرع ، فإن الإنسان يغرس ولكن سنة الإنبات ، وسنَّة صنع الثمار ليست من قدرة البشر ، وإنما يقوم الإنسان هنا أيضاً - كما في كل الأمور التي يقوم بها - بعمل بسيط جداً مثل غرس النبات ، والله بعد ذلك هو الذي يخلق تلك النتائج البديعة . فهذا مثل قرآني قريب واضح لكل واحد من الناس ، ويمكن لأبسط إنسان أن يمارسه لأنه يقع تحت ملاحظته . وهذا المثل القرآني يُطمئِنُ قلب المؤمن إلى صدق هذه القاعدة ، ذات الأهمية البالغة فيما أنيط بالإنسان من أمانة ومسؤولية في مصيره كمجتمع في الدنيا ، وفي مصيره كفرد في الآخرة .


كما أن من المفيد أيضاً في هذا الموضوع ، تفهم القاعدة التي يقررها ابن تيمية كثيراً ، من أن مشيئة الله قسمان :
1- مشيئة كونية .
2- ومشيئة شرعية .
فالمرض مشيئة كونية يمكن للإنسان أن يبطلها لاتخاذ الأسباب .
والزكاة مشيئة شرعية ولا يجوز مخالفتها أو التحايل عليها .
 ومن الخطأ البالغ ، أن يُظن أن الله يؤتي المُلك لقوم لم يهيئوا أنفسهم لذلك ، كما أن العزة والذلة لا يوزعها الله جُزافاً .

0 التعليقات: