14‏/05‏/2019

حتي يغيروا ما بأنفسهم 11

حتي يغيروا ما بأنفسهم 11
علم النفس الفردي والاجتماعي

نحن نسمع عن علم النفس وعلم الاجتماع ، ولكن عندما نريد أن نتعامل مع الواقع فسنلمس أموراً تختلف عن الأمر النظري المجرد ، إذ لا نجد حدوداً واضحة تفصلهما .
ففي الواقع لا نجد علم النفس الفردي ، لأن هذا الفرد المنعزل الذي لا يتصل بأحد ولا يختلط به أحد أيضاً ، غير موجود في الواقع ، ولو وُجد هذا الفردُ المنعزلُ لكان أقرب إلى التوحش منه إلى الآدمية ، لأن الذي يُخرجُ الإنسان من التوحش إلى الآدمية هو : اكتسابه للخبرات منذ نشأته وهو طفل ، ومنذ نشأة المجتمع ، وهو بعد لا يجد في نفسه الدافع إلى ستر عورته ، فتجمعت لديه خِبراتُ الأجيال وتراث النبوات . فالناشئ لا ينشأ في فراغ بل مع تراث طويل العمر معقد .

غريزة الحنو والحدب عند الحيوان والإنسان ، تشكل مطلق الحياة الاجتماعية وهي ترتقي عند الإنسان لتصل إلى مرحلة الإيثار ، والتي هي أساس الحياة الاجتماعية الراقية « ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة » الحشر – 9 - .

إن إدراك أثر الاشتراك في العبادة واللباس والتحية الموحدة في تكوين الشعور بالوحدة الاجتماعية ، إن هذا الإدراك يدخل هذه الأعمال تحت ضوء جديد ، ويرفع من قيمة أدائها ، ويبعث فيها حيوية جديدة .

إن هذا العلم – علم النفس - لا يزال في توحشه ولم يستأنس بعد عند المسلمين ، حتى يسخروه لتغيير ما بأنفسهم ، ولكشف ما ينبغي أن يغيروا مما بأنفسهم .
ومن العوارض الخاصة بهذا العلم ما اقترن به في بدئه من اسم فرويد والمدرسة التي حاولت أن تفسر علم النفس حول محور دافع غريزة الجنس

كل هذه الملابسات أطالت الوقت الذي كان يمكن أن يختصر ، وأبقت الحق ملتبساُ بالباطل ، عن قصد من البعض ودون قصد من البعض الآخر . وكلما بُحثت هذه المشكلة أتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : « أنه كان في المدينة فزع ، فركب النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرج يركض وحده ، فركب الناس يركضون خلفه ، فاستقبلهم وهو يقول لهم : لم تراعوا لم تراعوا …» . وبوب البخاري لهذا الحديث عدة أبواب منها : مبادرة الإمام عند الفزع ، والخروج في الفزع وحده ، والسرعة والركض في الفزع الخ ….

وقبل أن أختم هذا الحديث ، لاسيما وقد ذكرت قصة الأستاذ الذي درسنا علم النفس والاجتماع ، والذي جاء يبلبل الفكر على نفسه وعلى غيره ، كما فعل الوليد بن عقبة والذي نزل فيه قوله تعالى :
« يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا … » الحجرات – 6- . أرى عليَّ أن أذكر الشيخ محمد عرفة حيث كان في محاضراته ، يحثنا على دراسة علم النفس ، كوصية يريد أن يودع فيها كل اهتمامه للشباب الذين كانوا يتلقون عنه ، وإني أذكر له هذه الوصية كلما كان البحث في مشكلة تخلف المسلمين . وكان يذكرنا أن حل مشكلة « تخلف المسلمين » لن يتم إلا إذا تمت السيطرة على سنن تغيير ما بالأنفس .

كما علي أن أذكر أن لمالك بن نبي مقالاً في كتابه (في مهب المعركة) عن الأفكار الميتة والقاتلة ، أبدع فيه في تحليل العوامل السلبية التي يعانيها المسلم عند اتصاله بعالم الثقافات .

0 التعليقات: