حتي يغيروا ما بأنفسهم 3
سُنَّةٌ
عَامةٌ للبَشرِ
إن السنة الموجودة في الآية ، سنة عامة
تنطبق على كل البشر ، وليست خاصة بالمسلمين ولا بغيرهم وإنما هي عامة .
ولكن المسلم لا ينظر عادة ، إلى مشكلة
المسلمين بهذا المنظار الذي يجعل المشكلة الإسلامية خاضعة لسننٍ عامة تشمل البشر
جميعاً . فهو يرى أنه ينبغي أن تكون مشكلة المسلمين غير خاضعة لما يخضع له سائر
البشر في مشكلاتهم ، ويفعل المسلم هذا حين يفعل ، بروح من التسامي والتقديس . ذلك
أنه يظن أن رفع شأن المسلمين إنما يكون بعدم خضوعهم للسنن التي يخضع لها سائر
البشر .
فأمامنا تجارب القرون الماضية ، تجارب
كثيرة تظهر فيها سنن التغيير الأقوام ، التي يخضع لها المسلمون أيضاً ، كأي قوم من
الأقوام .
وفي الواقع ، إن هذا النظر القرآني يجرد
الإنسان ملابساته ، ويرجعه إلى أصله المجرد الذي يخضع للسنن .
فإذا حصَّلنا هذا النظر نكون قد أخرجنا
المشكلة من مجال الغموض والتكهنات ، إلى مجال الرؤية الواضحة ، التي يُمكن النظرُ
إليها كمشكلةٍ إنسانية ، لا على أنها مشكلة مبادئ ، بمعنى أن ننظر إلى الموضوع
كمشكلة مجتمع ، لا كمشكلة دين وعقيدة . وبعبارة أخرى كمشكلة بشرٍ مسلمين لا مشكلة
إسلام .
وينبغي أن أنبه هنا إلى أمرين أيضاً :
الأول : حين نقول مشكلة عامة .
في الواقع إن المشكلة عامة ، لأن السنَّة
لا تكون سنَّة إلا إذا كانت عامة ، ولكن ليس معنى هذا ، أن مشكلة المسلمين لا
تتميز بخصوصية ، من حيث العوارض ، والملابسات الخاصة ، التي ينبغي أن يراعيها
المسلم حين يأخذ في معالجة المشكلة ، إلا أن قصدي هنا أن لا يختلط على المسلم
القاعدة العامة التي يخضع لها كل الأقوام ، مع الأمر الخاص الذي يخص المسلمين .
فمثلاً قد يكون الانخداع بالوهم والتعلق به مما يحول بينهم وبين رؤية طريق الصواب
وهذا سنَّة عامة في البشر . ولكن لا يشترط أن يكون الوهم الذي يتعلق به كل قوم ،
نوعاً واحداً من الأوهام ، بل يمكن أن تكون أوهاماً متعددة ، ولكن سنَّة التعلق
بالوهم واحدة ، وإن كان نوع الوهم مختلفاً . فعلينا أن نراعي هذا في بحث مشكلة
المسلمين .
الثاني : حين نقول : إن المشكلة مشكلة
إنسان ، لا مشكلة عقيدة ، كذلك في حاجة إلى تفصيل ، وذلك لأن شرعة القرآن ، وإن
كانت حقاً ، إلا أن فهم المسلمين لهذه الشرعة ، وهذا المنهاج في جميع نواحيه ،
ليبست في أذهان المسلمين على أصالتها ووضوحها ، وأحياناً يكون فهمهم لها على عكس
حقيقتها ، فمن هنا تظهر الحاجة إلى تغيير ما بأنفس المسلمين عن الإسلام ، في قليل
أو كثير ، ولاسيما بعد هذا الكود الطويل ، الذي جعل كثيراً من الخرافات والنظرات
الخاطئة تحمل قوة قداسة الإسلام والقرآن عند المسلمين .
فهذه المعرفة الواضحة ، لما حدث من
التغيير البطيء سابقاً ، وما يحدث من التغيير السريع لاحقاً ، أمر ضروري للسيطرة
على التغيير الذي نريده نحن .
1- فلا بد من معرفة سنن التغيير لما
بالأنفس .
2- كما لا بد من معرفة ما ينبغي أن نغيره
، من الأوهام ، وما ينبغي أن نثبته من الحقائق .
3- ومعرفة ، مَنْ هؤلاء الذي ينبغي أن
نجري على ما بأنفسهم هذا التغيير ، وإن اختلفت معادلتهم الشخصية وبيئتهم ، إذ أنهم
مشتركون في أصل البلاء .
فهذه المعرفة المفصلة أمر لا بد منه
للبدء في أية عملية تغيير جاد .
0 التعليقات:
إرسال تعليق