روح التربية 4
يجب علينا أن نحاول ما وفق إليه الألمان ،
لقد فكروا تفكيرا طويلا فى هذه الكلمة البعيدة الغور التى قالها ليبنز : (( أعطنى
تربية صالحة ، أغير وجه أوروبا فى أقل من قرن ))
الفصل الثاني
مصادر بسيكولوجية أظهرها التحقيق في أمر التعليم
لماذا كان الإصلاح مستحيلا؟!
أخص ما دهشت
له حين قرأت هذه المجلدات الستة الضخمة -التحقيق الذي أجراه المجلس النيابي حول اصلاح التعليم - هو هذا الجهل التام الذى يحيط بعلمائنا
النابهين ، جهلهم المبادئ الأساسية النفسية التى يجب أن يقوم عليها التعليم
والتربية ، لا تنقصهم فى ذلك الآراء الأساسية ، فلهم رأى قد بلغ من الانتشار والبداهة
فى أنفسهم أن أصبح من المستحيل أن يناقش .
هذا الرأى
الاساسى الذى يقوم عليه التعليم فى جامعتنا هو : أن الذاكرة وحدها هى الطريق التى
تسلكها المعلومات إلى عقولنا لتستقر فيها ، و إذن فيجب أن يعتمد على ذاكرة الطفل
وحدها لتربيته وتعليمه .
مثل هذا التصور
يمثل أشد الأغلاط الأساسية للجامعة خطرا وشرا ومن استمرار هذا الخطأ فى الشعوب
اللاتينية نتج انحطاطهم الذى لا شك فيه فيما يتصل بالتربية و التعليم .
قد أثبتت
التجربة أن المعلومات التى تصل الى العقل بواسطة الذاكرة لا تثبت فيه إلا قليلا .
سنظهر ان التربية
ليست إلا الفن الذى يمكن من تحويل الشعورى إلى اللاشعورى ، وإنما سبيل ذلك إيجاد
الحركة اللإرادية التى ينشأ عنها تشابه الخواطر المتكرر الذى ليس للذاكرة فيه إلا
أثر قليل .
كل التعليم
خاضع لمبادئ نفسية قليلة سهلة .
نحن نعتقد أن
إصلاح الأشياء يمكن أن يتحقق بإصدار الأوامر واتخاذ القرارات دون ملاحظة الظروف
والأطوار ، هذا االمبدأ عام يتناول السياسة والاستعمار والتربية ، وقد اتخذناه
دائما فكان فشلنا فيه يعدل حرصنا عليه ، كذلك كانت الدساتير المختلفة التى وضعت
لتكفل لنا السعادة ، كانت كثيرة غير نافعة كما كانت البرامج التى وضعت لتكفل لنا
التربية الحسنة ، كأن هذه الأمم اللاتينية لا تستطيع أن تثبت إلا على الاحتفاظ
بخطئها .
الذى يجب
تغييره إنما هى مناهج التعليم التى تدرس بها المواد التى اشتملت عليها البرامج .
ذلك أن هذه
المناهج القديمة عقيمة بغيضة إلى النفوس شعر بذلك مفكرون ممتازون مثل (تين) و
أعلنوا آرائهم فيه متشددين ، فقد أظهر هذا المؤرخ النابه فى أحد كتبه الأخيرة أن
جامعتنا ليست إلا نكبة من النكبات و أنها تقودنا فى رفق إلى الانحطاط ، ولم ير
الجمهور فى ذلك إلا تهكم فيلسوف ، ولكن التحقيق أظهر أن هذا التهكم لم يكن إلا
حقيقة مؤلمة .
من اليسير
أن ترى عيوب أى نظام من النظم القائمة سواء أكان نظاما سياسيا أم نظاما من نظم
التعليم ، من اليسير أن ترى هذه العيوب وأن تدل عليها ، فإن النقد السلبى يقع فى
متناول الأذكياء العاديين . ولكن هؤلاء الأذكياء لا يستطيعون أن يتبينوا ما يمكن
تغييره مع ملاحظة المؤثرات المختلفة كالجنسية والبيئة وغيرهما ، تلك المؤثرات التى
تعتمد عليها هذه الأشياء المستحدثة ، ذلك أن الشعور بمعنى الإمكان وتقديره خصلة
حرمتها شعوب كثيرة أخصها الشعب الفرنسى .
نفسية
الأساتذة التى كونتها الجامعة ليست ممكنة التغيير ، ذلك أنهم تكونوا بمقتضى تلك
الأصول القديمة فلا يستطيعون أن ينفذوا غيرها بل لا يستطيعون أن يفهموا غيرها ، قد
وصلوا جميعا إلى سن لا يمكن أن تستأنف فيها التربية .
تغيير الآراء
هو أول ما ينبغى أن نعنى به الآن ، فإذا تم هذا التغيير و إذا تم فحسب ، أمكن
التفكير فى إصلاح التربية و التعليم ، ومصاعب هذا التغيير عظيمة جدا ، ومع ذلك
فليست أصعب من أن تذلل ، فلم يحتج العالم إلى رسل كثيرين لإحداث الأديان الكبرى
التى غيرت نظام الحياو و إنما احتاج الى غير قليل من هؤلاء الرسل فكل هذه الحركة
التى نشأ عنها التحقيق واضطربت لها الجامعة ليس لها مصدر إلا جهاد رجل قوى عامل هو
المستكشف بونفالوه .
إذا كان قد
عجز كما عجز الذين وضعوا مجلدات التحقيق الستة عن إظهار الطريق التى يجب أن نسلكها
فقد وفق إلى إظهار أن الطريق التى نسلكها الآن سيئة جدا ، كان كبطرس الناسك
فاستطاع أن يهز الرأى العام ويصرفه عن إهماله القديم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق