16‏/02‏/2016

روح التربية 4

روح التربية 4





الفصل الثاني
مصادر بسيكولوجية أظهرها التحقيق في أمر التعليم
لماذا كان الإصلاح مستحيلا؟!

    أخص ما دهشت له حين قرأت هذه المجلدات الستة الضخمة  -التحقيق الذي أجراه المجلس النيابي حول اصلاح التعليم - هو هذا الجهل التام الذى يحيط بعلمائنا النابهين ، جهلهم المبادئ الأساسية النفسية التى يجب أن يقوم عليها التعليم والتربية ، لا تنقصهم فى ذلك الآراء الأساسية ، فلهم رأى قد بلغ من الانتشار والبداهة فى أنفسهم أن أصبح من المستحيل أن يناقش .

    هذا الرأى الاساسى الذى يقوم عليه التعليم فى جامعتنا هو : أن الذاكرة وحدها هى الطريق التى تسلكها المعلومات إلى عقولنا لتستقر فيها ، و إذن فيجب أن يعتمد على ذاكرة الطفل وحدها لتربيته وتعليمه .

    مثل هذا التصور يمثل أشد الأغلاط الأساسية للجامعة خطرا وشرا ومن استمرار هذا الخطأ فى الشعوب اللاتينية نتج انحطاطهم الذى لا شك فيه فيما يتصل بالتربية و التعليم .

    قد أثبتت التجربة أن المعلومات التى تصل الى العقل بواسطة الذاكرة لا تثبت فيه إلا قليلا .
    سنظهر ان التربية ليست إلا الفن الذى يمكن من تحويل الشعورى إلى اللاشعورى ، وإنما سبيل ذلك إيجاد الحركة اللإرادية التى ينشأ عنها تشابه الخواطر المتكرر الذى ليس للذاكرة فيه إلا أثر قليل .
    كل التعليم خاضع لمبادئ نفسية قليلة سهلة .
    نحن نعتقد أن إصلاح الأشياء يمكن أن يتحقق بإصدار الأوامر واتخاذ القرارات دون ملاحظة الظروف والأطوار ، هذا االمبدأ عام يتناول السياسة والاستعمار والتربية ، وقد اتخذناه دائما فكان فشلنا فيه يعدل حرصنا عليه ، كذلك كانت الدساتير المختلفة التى وضعت لتكفل لنا السعادة ، كانت كثيرة غير نافعة كما كانت البرامج التى وضعت لتكفل لنا التربية الحسنة ، كأن هذه الأمم اللاتينية لا تستطيع أن تثبت إلا على الاحتفاظ بخطئها .

    الذى يجب تغييره إنما هى مناهج التعليم التى تدرس بها المواد التى اشتملت عليها البرامج .
    ذلك أن هذه المناهج القديمة عقيمة بغيضة إلى النفوس شعر بذلك مفكرون ممتازون مثل (تين) و أعلنوا آرائهم فيه متشددين ، فقد أظهر هذا المؤرخ النابه فى أحد كتبه الأخيرة أن جامعتنا ليست إلا نكبة من النكبات و أنها تقودنا فى رفق إلى الانحطاط ، ولم ير الجمهور فى ذلك إلا تهكم فيلسوف ، ولكن التحقيق أظهر أن هذا التهكم لم يكن إلا حقيقة مؤلمة .


     من اليسير أن ترى عيوب أى نظام من النظم القائمة سواء أكان نظاما سياسيا أم نظاما من نظم التعليم ، من اليسير أن ترى هذه العيوب وأن تدل عليها ، فإن النقد السلبى يقع فى متناول الأذكياء العاديين . ولكن هؤلاء الأذكياء لا يستطيعون أن يتبينوا ما يمكن تغييره مع ملاحظة المؤثرات المختلفة كالجنسية والبيئة وغيرهما ، تلك المؤثرات التى تعتمد عليها هذه الأشياء المستحدثة ، ذلك أن الشعور بمعنى الإمكان وتقديره خصلة حرمتها شعوب كثيرة أخصها الشعب الفرنسى .

    نفسية الأساتذة التى كونتها الجامعة ليست ممكنة التغيير ، ذلك أنهم تكونوا بمقتضى تلك الأصول القديمة فلا يستطيعون أن ينفذوا غيرها بل لا يستطيعون أن يفهموا غيرها ، قد وصلوا جميعا إلى سن لا يمكن أن تستأنف فيها التربية .

   تغيير الآراء هو أول ما ينبغى أن نعنى به الآن ، فإذا تم هذا التغيير و إذا تم فحسب ، أمكن التفكير فى إصلاح التربية و التعليم ، ومصاعب هذا التغيير عظيمة جدا ، ومع ذلك فليست أصعب من أن تذلل ، فلم يحتج العالم إلى رسل كثيرين لإحداث الأديان الكبرى التى غيرت نظام الحياو و إنما احتاج الى غير قليل من هؤلاء الرسل فكل هذه الحركة التى نشأ عنها التحقيق واضطربت لها الجامعة ليس لها مصدر إلا جهاد رجل قوى عامل هو المستكشف بونفالوه .

    إذا كان قد عجز كما عجز الذين وضعوا مجلدات التحقيق الستة عن إظهار الطريق التى يجب أن نسلكها فقد وفق إلى إظهار أن الطريق التى نسلكها الآن سيئة جدا ، كان كبطرس الناسك فاستطاع أن يهز الرأى العام ويصرفه عن إهماله القديم .

    يجب علينا أن نحاول ما وفق إليه الألمان ، لقد فكروا تفكيرا طويلا فى هذه الكلمة البعيدة الغور التى قالها ليبنز : (( أعطنى تربية صالحة ، أغير وجه أوروبا فى أقل من قرن )) 

0 التعليقات: