17‏/02‏/2016

روح التربية 18

روح التربية 18


الفصل الثامن
تربية أبناء المستعمرات

نقلنا مناهجنا التعليمية السيئة إلى المستعمرات التى نحكمها فأنتجت هذه المناهج بحكم الضرورة أقبح النتائج وأردأها ، ولقد تفضل المسيو "بول جبران " حاكم الهند الصينية فبين لنا فى هذه الصحف ما يجب أن تكون عليه مناهج التعليم فى المستعمرات فأنا أترك له الكلام :

      "تظهر التجربة أن الشعوب المستعمرة ولا سيما الشعب الفرنسى قد فشلت فى تربيتها 
للمستعمرات ، ذلك أن تربية أمة لأمة قد تنجح وتؤتى ثمارها إذا استطاعت الأمة المربية أن تنسى مثلها الاعلى الخاص وأن تضع أمام الأمة التلميذة مثلا أرقى قليلا من مثلها الأعلى الذى ألفته ،

وقد أراد تكوننا العقلى أن نعتقد أن جميع الشعوب المنحطة تشبهنا وتعدلنا فأخذنا أنفسنا بأن نربى هذه الشعوب كما نربى أنفسنا ونضع أمامها غايتنا الاجتماعية الخاصة فنضطر إلى تغييرعادات  هذه الشعوب وأخلاقها ونظمها المختلفة ونفسيتها نضطر إلى محاولة ما لا سبيل إليه.
    نغير النظم ونزعم اننا نغير العقل ، نؤثر فى العقل بالتعليم ونزعم أننا نؤثر فى الأخلاق ،نبتدئ البناء من أعلاه نؤثر فى النتيجة ونزعم أننا نؤثر فى العلة فنغير بهذا منهج الطبيعة ، ولا ينتج لنا هذا إلا نتائج سلبية .


    هذه اللغات الأوربية بعيدة كل البعد عن عقول هؤلاء الناس ، ومصدر هذا أن هناك صلة قوية بين اللغة وبين تكوين المخ فى الأمم التى تتكلمها ،

 وإذا كان العقل فى تطور مستمر يخلف باختلاف العصور والأمكنة فاللغة خاضعة لهذا التطور نفسه وإذن فلغة الفرنسييين لا تلائم عقل الهنود بل إن هناك ألفاظا تدل على معانى يظهر أنها مشتركة بين الناس جميعا والحق أنها مختلفة كل الاختلاف .

     إلغاء الجامعة الهندية الصينية التى أنشأناها لنشر العلوم والمناهج الأوربية باللغة الفرنسية فى الشرق الأقصى والتى كانت تتألف من أقسام مختلفة للحقوق والإدارة والعلم والأدب ألغينا هذه الجامعة لأننا رأينا لم تخرج إلا شبابا متهوسيين خطرين علينا وعلى أمتهم.

       مسيو" فوييه "يقول إننا  نرى فى القوانين عصا سحرية تمس النظم فتصلحها ، يكفى أننا نصدر القانون لتغيير الأخلاق والعادات والملكات .

      المادة الأولى : الفرنسيون جميعهم فضلاء .

      المادة الثانية : الفرنسيون جميعهم سعداء .

وقد أظهرت التجربة ألا نفع للتربية إذا لم تكن ملائمة لما استقر عليه من الأخلاق والعادات والنظم .

   ويجب أن يكون هذا التعليم ملائما لأطوار هذه المستعمرات وإذا حققنا النظر فى أمور هذه المستعمرات عرفنا أن التعليم الأولى وحده يكفى لحاجتها فهى غير محتاجة إلى التعليم الثانوى والعالى بل غير قادرة على تحملهما ،

يجب أن يكتفى بالتعليم الأولى وبالتعليم الفنى بل وأن نسير فى هذا التعليم الفنى على حذر شديد ،فليس ينبغى أن ننقل لهذه المستعمرات من التعليم الفنى إلا ماهى محتاجة إليه ، التعليم الزراعى فى البلد الزراعى ، والتعليم الصناعى فى البلد الصناعى ،

بل يجب أن نقتصد فى هذا أيضا فلا نعلم أهل البلاد الحارة زراعة البلاد المعتدلة ، يجب أن نبدأ فى هذا التعليم مقتصدين فنغير فى هدوء ولطف ما ألف هؤلاء الناس من مناهج الزراعة والصناعة قليلا قليلا ،

فإذا رأينا أن ندخل عليهم من الزراعة والصناعة ما لم يألفوا فلنترفق فى ذلك ولنقتصد فيه ولنتبع هذه القاعدة حتى مع المستعمرات التى تسكنها أمم متحضرة كألأناميين والعرب ،

 هذه الأمم ليست فى حاجة إلى المهندس ولا  الطبيب من أبناءها وإنما هى فى حاجة قبل كل شئ إلى الزارع والعامل فى هذا النحو من التعليم نفعها وفيه نفعنا أيضا ،

 فإذا جاء الوقت وتمكنت هذه الأمم بحكم التطور البعيد الطويل من أن ترقى إلى التعليم الثانوى أو العالى فلتأخذ بنصيبها منه ، يجب أن نتقى الإسراف فى كل شئ . 


  الأمم القوية لا تستطيع أن تستغل مستعمراتها إلا  إذا بثت فيهم فكرة الحرية والطموح إلى الاستقلال فالاستعمار يهدم نفسه بنفسه وكذلك الأمر فى كل شر وفى كل جور.

0 التعليقات: