17‏/02‏/2016

روح التربية 19

روح التربية 19

الفصل التاسع
التربية بواسطة الجيش

أثر الخدمة العسكرية فى التربية

الإرادة والابتكار وضبط النفس والقدرة على احتمال المكروه ومضاء العزم كل هذه الخلال لا يمكن أن نطلبها إلى الجامعة لأنها لا تمنحنا إياها بل تمحوها من نفوس الشبان إذا أخذوا منها بنصيب .
فهل توجد وسيلة أخرى لكسب هذه الخلال غير الجامعة ؟

    نعم ، هى الجيش ، والجيش وحده قادر على أن يصلح ما أفسدت الجامعة .

     يضاف إلى قانون الخدمة العسكرية الإجبارية التى تمتد إلى ثلاث سنوات قانون آخر يقضى بأن لايصل إلى مناصب الدولة مهما تكن من أحد إلا إذا أمضى فى الجيش خمس سنين فى رتبة صف ضابط .

     إن طبقة الأساتذة والمفكرين تكره الجيش وتمقت الخدمة العسكرية التى تسلبها امتيازاتها وهى تحتج بذلك بأن الخدمة العسكرية تضيع على الطلاب ثلاث سنين وتنسى أن هذه السنين الثلاث أنفع للطالب وأجدى عليه من سنين ثلاث يقضيها فى قراءة الكتب واستظهار ما لا يفيد ،

وتنسى شيئا آخر وهو أن غير الطلاب من العمال والزراع يضحون فى سبيل الخدمة العسكرية بثلاث سنين من عملهم وزراعتهم ولا يأسفون لهذه التضحية وهم ليسوا أقل خطرا من الطلاب ولا الأساتذة المفكرين . 
      فكرة احتقار الجيش التى انتشرت فى هذه الطبقة المفكرة خطرة كل الخطر ، يكفى أن تنتشر فى الشعب لتفقد الأمة الفرنسية وجودها السياسى .


النتائج الاجتماعية للقوانين العسكرية القديمة

إنهم فى الجيش يجدون ما هم فى حاجة إليه من النظام وحبه والخضوع له ، ومن التضامن والتعاون وضبط النفس وأخذها باحتمال المكروه ، ومن حسن التصرف فى الحياة والتغلب على المصاعب .

أثر الضباط فى التربية

الضباط كل شئ فى الجيش فإذا صلحوا صلح الجيش ويجب ليصلح الضباط أن يفهموا أنهم مربون من جهة وأن يحسنوا الأمر من جهة أخرى ، أما فهم أنهم مربون فموقوف على المدرسة الحربية ، 

يجب أن يتعلموا فيها من مناهج التربية ما يمكنهم من أن يحسنوا التأثير فى نفوس رجالهم ، وأما إجادة الأمر فموقوفة على إجادة الطاعة ، وإذن فيجب أن يعمل الضباط عمل الجندى مثلا سنة ليعرف كيف يطيع ، فهو إذا أحسن الطاعة أحسن الأمر .

         إذا وصل الفساد والاضطراب وعدم الاكتراث إلى الجيش من أمة من الأمم فقد دنت ساعة الانحطاط .

        التربية خليقة أن  تمنح الشعب الذى يرد الحياة ماهو فى حاجة إليه من الخلال  ، وقد عرف الجيش والجامعة فى ألمانيا كيف يتعاونان على إصلاح التربية ووفقا إلى ذلك ولم يوفقا فى فرنسا .
            
           
الآراء التى يبذرها القلم تنتهى دائما إلى الإنبات مهما تكن الأرض التى بذرت فيها صخرية مجدبة . 

        اختيار مناهج التعليم أشد أثرا وأجل خطرا بالقياس إلى الشعوب من تغيير نظمها السياسية والاجتماعية .

     مستقبل فرنسا رهين بالحل الذى ستنتهى إليه مسألة التربية .

     إن تطور العالم سريع وإذا لم نلائم بين حياتنا وبين هذا التطور فنحن هالكون ، كانت البلاغة والدقة النحوية والذوق الأدبى والفنى كافية فى وقت من الأوقات تتيح لبعض الشعوب أن يتقدم غيره فى الحضارة حين كان هذا الشعب يلقى بأموره إلى أيدى الآلهة أو الملوك ،

 أما اليوم فقد ماتت الآلهة ولا تكاد تجد شعبا يسلم نفسه حقا لسيد من السادة ، فليس للحكومات فى الحوادث إلا أثر قليل وقد خضعت إرادة المستبدين لقوانين اقتصادية واجتماعية ليس لهم فيها تأثير ، 

وأصبح الإنسان الذى كانت تحكمه الآلهة أو يحكمه الملوك خاضعا لطائفة من الضرورات ليس له منها مفر ولا مخلص ، وأصبحت نظم الحياة العامة لشعب من الشعوب رهينة بقوانين مصدرها العلاقات التجارية والصناعية والإقتصادية بوجه عام .

      وقد وصلنا إلى طور من الحياة تجعل خطر الأخلاق أجل من خطر الذكاء فليس للذكاء قيمة إذا لم يعتمد على القوة والإرادة وضبط النفس ، والتربية وحدها خليقة أن توجد هذه الأخلاق إذا لم تكلفها الوراثة .

        كل إصلاح لا خير فيه إذا لم تتغير نفسية المعلمين .

فقد أتممت عملى ولم أكن  أريد إلا أن أضئ السيبل لقوم مترددين مضطربين

                                                                                 تم اختصار الكتاب  
                                                                                   اللهم لك الحمد

0 التعليقات: