17‏/02‏/2016

روح التربية 15

روح التربية 15


الفصل الثانى

الأسس النفسية للتربية

المناهج النفسية للتربية

الأمر فى التربية كالأمر فى التعليم يجب أن يستحيل الشعورى إلى اللاشعورى،وربما كان ذلك أظهر فى التربية منه فى التعليم .

      تنمية الملاحظة والدقة تشتد الحاجة إليهما في كل وقت

      تنمية الميل إلى النظام والتضامن وقوة الحكم وما يشبهها : هذه الخلال من أشد الاشياء لزوما فى الحياة ، ولهذا عنى بها الإنجليز عناية شديدة فنموها فى نفوس الشبان بواسطة الألعاب التى سموها ألعاب مربية خطرة شاقة فلن يرضى عنها الفرنسيون الذين يحبون أبناءهم ، وأثرها فى التربية عظيم لأنها تبعث فى نفس الطالب الشعور بالقوة والتبعة والتضامن وما إليها من الصفات التى ضمنت للإنجليز السيادة .

هذه الألعاب التى لا نقدرها ويقدرها الإنجليز تكون فى نفوس الشبان خلقا جليل الخطر يكلف به الإنجليز كلفا شديد إذا شعر أحدهم بضعف هذا الخلق عنده تكلف الخطر وتجشم الهول لتنميته وتقويته ،وقد رأيت ضابطا إنجليزيا فى إقليم من أقاليم الهند الوسطى موبوء تنتشر فيه الأفاعى والحيوانات المفترسة بحيث يتعرض كل من خرج وحده  أثناء الليل  لضروب من الهلاك ،

 رأيت هذا الضابط ذات ليلة يخرج من الفندق وقد آوى الناس إلى مساكنهم فسألته أين يذهب وحده فى هذا الإقليم الخطر ،فاجاب فى خجل احمر له وجهه أنه يشعر بضعف قدرته على ضبط النفس فهو يخرج ليكتسب هذا الخلق  وقد عرفت بعد ذلك  أنه كان يخرج ليكمن للنمر فى مخبأ بعيد ليس من الممكن ان تناله فيه المعونة ، وهذا خطر جدا فقد  يمكث  الكامن فيه ساعات وربما مكث الليلة كلها دون أن يرى شيئا ولكنه قد يرى النمر وهو ملزم أن يتحدث إلى نفسه طوال كمونه بما ينتظره من الخطر وأن يستعد له فإذا أقبل النمر وجب على الكامن أن يكون من حضور الذهن ورباطة الجأش بحيث يستطيع أن يصوب النار إلى رأس النمر فيقتله فى ثانيتين أو ثلاث لأنه إن أخطأه أو جرحه فهو مقتول لا محالة ،بهذا التعرض للخطر يكون الإنجليز مزاياهم الخلقية وبهذه المزايا يسودون العالم ،تنمية الإرادة ومضاء العزم .
   
ولقد تحدث "بلاكى "عن الشاعر  "وردوث " 

أنه اعتزم ذات يوم أن يصعد

فى الجبل فاعترضته زوبعة ولكنه لم يعدل عن عزمه معلنا أن تغيير الرجل رأيه فيما اعتزم لان عائقا عرض له لا يخلو من خطرعلى الأخلاق، يعجب الإنجليز بذوى الإرادة والعزائم الماضية ، فيحبونهم ويكرمونهم مهما تكن جنسيتهم .

      خلق الإرادة ومضاء العزم ينقص اللاتنيين كثيرا وهم مع ذلك فى أشد الحاجة إليه فلولا ضعف هذا الخلق فى أنفس الفرنسييين لما كانت الهزيمة الأخيرة فقد كان لدينا جيش لا ينقصه الشجاعة ولا الذكاء وإنما كانت تنقصه الإرادة ومضاء العزم والقدرة على الابتكار والإعتماد على النفس ،فكان رؤساء الجيش على اختلاف طبقاتهم ضعافا مترددين بينما كان رؤساء الألمان من القوة الخلقية ومضاء العزيمة والإعتماد على النفس بحيث كان كل واحد منهم يقدم على الشئ شاعرا بخطر ما يقدم عليه،


    فلابد إذن من تربية هذا الخلق فى أنفسنا  والسبيل إلى ذلك كما قلنا هو أن يوضع التلميذ غالبا بحيث يحتاج إلى أن يعزم وحده فإذا عزم مضى فى عزمه حتى أتمه كله.

0 التعليقات: