17‏/02‏/2016

روح التربية 12

روح التربية 12

الكتاب الخامس

روح التربية والتعليم

الفصل الأول
الدعائم النفسية للتعليم

أساس التعليم النفسى عند رجال الجامعة

نعرض هنا الأصول التى ينبغى أن تقوم عليها التربية والتعليم والتى ينبغى تطبيق هذه الأصول فى جميع فروع التعليم ، فهم يغيرون الكتب والبرامج دون أن يغيروا المنهج ومن هنا لا يفيد ما يقترحون من إصلاح ومن هنا هبط التعليم .

النظرية النفسية للتربية والتعليم
تحويل الشعورى إلى لا شعورى

البرامج متحدة عند كثير من الأمم  دون أن تتحد نتائجها ، بل قد يظهر اتحاد البرامج ويدهشنا اختلاف النتائج اختلافا عظيما ، ذلك لأن المربين من الأجانب قد استطاعوا أن يستكشفوا الأسس الصحيحة التى يجب أن يعتمد عليها المربى فانتهوا إلى نتائج لم نصل إليها نحن وإن  كانت برامج التعليم والتربية واحدة هنا وهناك.

ولقد يمكن اختصار القاعدة الأساسية للتربية والتعليم وهى أن التربية هى الفن الذى يعين على تحويل الشعورى إلى لا شعورى.

فإذا استحال الشعورى إلى لا شعورى بعث فى النفس حركة لا إرادية متصلة ،وإنما السبيل إلى هذه الغاية – وهى تحويل الشعوري إلى لا شعورى – هو قانون تنادى الخواطر فيجب على المربى أن يحدث فى نفس الطفل خواطر تنادى بعضها بعضا يشعر بها الطفل فى أول الأمر ثم تصبح جزءا لا شعوريا من نفسه ،

 ومهما يكن الشئ الذى تريد أن تعلمه للطفل سواء كان لغة أو فن اصطناع الدراجة أو ركوب الخيل أو التوقيع على البيانو فالحركة الآلية واحدة وهى تحويل الشعورى إلى لا شعورى بواسطة تنادى الخواطر الذى يخلق الحركة اللاإرادية .

        بل نستطيع أن نقول إن تكوين الأخلاق بنوع خاص قائم على هذه القاعدة فليس للأخلاق أثر فى الحياة إلا إذا استحالت من الشعوري إلى اللاشعورى ،

هنالك ترشدنا الأخلاق فى الحياة وليس للعقل أثر فى ذلك وليس للكتب أثر فيه بنوع خاص ، ولقد أظهر علم النفس الحديث أن أثر اللاشعورى فى حياتنا اليومية أشد وأبعد أثرا من الشعورى.

       وإنما ينمى هذا اللاشعورى بإيجاد الحركة اللاإرادية وهذه الحركة إذا تكررت أصبحت عادة فإذا تكررت فى أجيال مختلفة أصبحت خلقا مكونا للجنس ،

 وعمل المربى هو التأثير فى هذه الحركة اللا إرادية بحيث يقويها إن كانت نافعة ويضعفها أويزيلها إن كانت سيئة .

       وليس من شك فى أن الحركة اللاإرادية التى تخلفها التربية ليست من القوة بمكان الحركة اللاإرادية   التى بعد بها العهد ، ومن هنا كان أثر التربية ضعيفا فى تغيير الأخلاق والعادات التى توارثتها الجماعات والأجناس .

     والغاية العظمى التى ترمى إليها التربية إنما هى تنظيم الحركات اللاإرادية الموروثة .
الجماعات التى تقوم على الخوف من الشرطة لا قيمة لها .

      ومن اليسير أن تقاس سطوة الشعوب بعدد من فيها من أولئك القادرين على ضبط نفوسهم بواسطة هذا النظام الداخلى، ولقد يصيب الإنجليز حين يقدمون على الفضائل كلها فضيلة ضبط النفس ،

فهم مدينون لهذه الفضيلة بقوتهم وسلطانهم ،ولقد كان خليقا بالحكيم القديم أن يكتب على داره " اضبط نفسك بنفسك " لا  "اعرف نفسك بنفسك" فإن معرفة النفس  شاقة جدا ولا تنتج إلا التواضع بينما ضبط النفس يسير وهو ينتج القوة فى الحياة .

       يجب إذن أن يوجد المربى فى نفس الطفل حركات لا إرادية جديدة إلى جانب الحركات اللا إرادية الموروثة بحيث تقوى هذه الحركات الجديدة تلك الحركات الموروثة إن كانت نافعة أو تغيرها إن كانت سيئة ،

 النظام الخارجى يوجد النظام الداخلى إذا لم تكن هناك مقاومة وراثية فبحكم هذا النظام الخارجى يتعلم الصانع صناعته والجندى والبحار فنيهما وظاهر أن المناهج التى  تتخذ لإيجاد هذه الحركات اللاإرادية تختلف باختلاق الموضوعات ولكن الأصل واحد وهو تكرارالشئ  الذى يؤخذ الطفل  بتنفيذه حتى يحسن هذا التنفيذ .


وهذه القواعد بعينها صالحة لكل ما يكتسبه الإنسان سواء أكان  هذا علما أم فنا أم صناعة .

0 التعليقات: