08‏/03‏/2016

ماذا حدث للمصريين ؟ 4


ماذا حدث للمصريين ؟ 4



الحراك الإجتماعى وأزمة مصرالإجتماعية والسياسية    :

فى فترات الحراك الإجتماعى السريع تقوى القيم المادية وينخفض تقييم المجتمع لما يسمى بفضائل الأخلاق .
أن ما شاع تسميته مؤخرا بالتسيب أو الفساد أو عدم الإنضباط قد لا يكون فى حقيقه الأمر أكثر من مظاهر ، زادت قليلا أو كثيرا عن الحد ، لقيم الشطارة والسرعة والقدرة على إنتهاز الفرص والتكيف مع الظروف حتى لو تعارضت مع ما يفرضه القانون .

إن ظاهرة العمارات الجديدة التى تسقط بعد شهور أو أيام من بنائها ،وكثرة الإعتداء على أموال الدولة ، وشيوع الرشوة ، وقتل الأب أو الأم استعجالا للميراث ، كثيرا ما تكون مجرد مظاهر لهذه العجلة فى الصعود الإجتماعى أو لفزع شديد من الهبوط .

ومهما فعلت من أجل تأجيل الإحباط ، فالإحباط قادم لا محالة ، فالتوسع فى القبول فى الجامعات هو مجرد تأجيل للإحباط  وليس منعا له.

والتوسع فى التجنيد ومد أجله هو تأجيل آخر ، والتوسع فى التوظيف فى الحكومة والقطاع الخاص بصرف النظر عن الحاجة الحقيقية له قد لا يمثل فى نهاية المطاف أكثر من تقديم إعانة بطالة لأفراد كانت آمالهم أكبر من ذلك بكثير .

  فى ظروف كهذه لا يجب أن نستغرب أن تنتشر نفس القيم وتمتد العدوى إلى أوجه من النشاط تعتبر بطبيعتها أشدها مقاومة للعدوى ، أو أكثرها تطلبا لقيم النزاهة والإستقامة ، كمهنة القضاء والتعليم ، وإلى القائمين بالتشريع والحفاظ على الأمن ناهيك عن المشتغلين بالسياسة .

وقد ينظر إلى الأستاذية فى الجامعة ،أو إلى مهنة القضاء ،أو عضوية المجالس النيابية ، أو الإشتغال بالسياسة باعتبارها فى الأساس مصدرا للرزق . 

إن قرب عهد بعض أصحاب المهن بالصعود والترقى قد يجعلهم يستميتون فى الدفاع عما حققوه من نجاح .
فكما كان الصعود سريعا قد يكون الهبوط سريعا أيضا ، وذكرى المهانة القديمة ما زالت حاضرة بقوة فى الذهن ، ولم يتحقق بعد الإطمئنان إلى المركز الجديد ، والمنافسون الحاسدون كثيرون فيهون دفع أى ثمن فى سبيل الاحتفاظ بما تحقق ، وتهون أعمال الزلفى والتملق ، ويقبل القيام بأعمال أقل بكثير من الكفاءة وإن أريق فى سبيلها ماء الوجه .


الحراك الإجتماعى والتراث الشعبى:

يقول عالم الأجتماع الشهير ( سوروكن  P.Sorokin) بينما تميل الطبقات الدنيا فى الظروف الإجتماعية الثابتة نسبيا إلى تقليد الطبقات الأعلى منها فى أنماط سلوكها ، فإنه  فى الظروف التى تتعرض فيها الطبقات العليا للإنحدار والتدهور على درجات السلم الإجتماعى ، يحدث العكس حيث تأخذ الطبقات الهابطة فى تقليد وإقتباس أنماط سلوك الطبقات الأدنى منها وإعتناق قيمها .

ولدى من الأسباب العقلية البحتة ما يرجح صحة هذا الإعتقاد ، كما أن هناك من ظواهر التحول الإجتماعى فى مصر ما يؤيده .

فهناك أولا الثقة بالنفس التى تكتسبها الطبقات الصاعدة بسبب صعودها نفسه ، والتى تدفعها إلى تأكيد صعودها ، وتقضى على الاستحياء القديم من التعبير عن نفسها ، ومواجهة الطبقات العليا بقيمها وعاداتها وأنماط سلوكها .

وهناك ثانيا ما يتضمنه الصعود المادى والإجتماعى من انتشار وذيوع ، إذ لا يعود ثمة ما يمنع الطبقات الصاعدة من غزو الأسواق والمدارس والجامعات والنوادى والشواطئ بعد أن مكنتها قوتها الشرائية الجديدة من ذلك .

وهناك ثالثا القدرة المتزايدة  لدى هذه الطبقات على غزو وسائل الإعلام والتأثير فى الرأى العام

 يحدث العكس بالضبط لأفراد الطبقات العليا الهابطة الذين ينحسر وجودهم المادى وتأثيرهم الثقافى كما تنحسر فى نفس الوقت ثقتهم فى أنفسهم .


كذلك قد يكون من الممكن أن نفسر انتشار كثير من الطقوس الدينية التى كانت الطبقات الأقل إحتكاكا بالغرب أكثر تمسكا بها ، والطبقات العليا أقل حرصا عليها ، كانتشار الحجاب بين مختلف الطبقات الأجتماعية ، والحرص على بدء الخطابات والمحاضرات باسم الله إلخ.....  

0 التعليقات: