10‏/03‏/2016

ماذا حدث للمصريين ؟ 16

ماذا حدث للمصريين ؟ 16

الموسيقى والغناء

كان عبد الحليم حافظ موهوبا بالطبع ، ولكنه كان أيضا محظوظا ، إذ صادف نضج موهبته هذا التحول الإجتماعى الباهر .

        إذا أمعن المرء فى المقارنة بين وقتنا الراهن وبين الأربعينات  لوجد أوجه شبه أخرى مدهشة : فالإرهاب والتطرف موجودان  فى الحالين ، والشعور بالإحباط وقلة الحيلة موجود أيضا فى الحالين .

( بل إن من الممكن أن يذهب المرء إلى أبعد من هذا فى التاريخ ويعقد مقارنة مماثلة بين حالة الموسيقى والغناء قبل ثورة 1919 وبين ما شاع فيهما وفى مختلف جوانب الثقافة المصرية من إزدهار بعد تلك الثورة ) .

فهل لنا أن نأمل فى حدوث شئ مماثل يعيد الإزدهار والبهجة إلى الموسيقى والغناء وسائر جوانب الحياة الثقافية فى مصر كما حدث من قبل مرتين :
مرة فى أعقاب ثورة 1919 ، ومرة فى أعقاب ثورة 1952. 
                              
السينما

عندما أتذكرفيلم غزل البنات الذى ظهر فى نهاية الأربعينات ( 1949) والذى حقق نجاحا تجاريا هائلا بسبب عبقرية أنوروجدى التجارية التى جعلته يضم إلى الفيلم أكبر الممثلين والمغنيين ، ولو لدقيقة واحدة أو دقيقتين ، عندما أتذكره يبدو لى الفيلم وكأنه بمثابة حفل توديع ضخمة لعصر بأكمله.

لقد توفى نجيب الريحانى بطل الفيلم بمجرد أن إنتهى من تصويره ، وسرعان ما لحق به نجيب سليمان وأنور وجدى ، البطلان الآخران .
 وكان هو آخر فيلم يظهر فيه محم
د عبد الوهاب ، أما يوسف وهبى فكان من الواضح أن عصره الذهبى قد ولى ، لقد إنتهى فيلم الريحانى وهو يبكى عندما أدرك أن من يحبها (ليلى مراد) التى تصغره بكثير ، تحب شابا من عمرها (أنور وجدى ) .
.....
...........
أفلام السينما الإيطالية الواقعية التى كانت متربعة على عرش السينما العالمية فى الأربعينات والخمسينات .
أفلام فللينى وانطونيونى ، قامت الدنيا وقعدت لدى رؤية فيلم " الحياة الحلوة " لفللينى ، ثم فيلمى " الليل " ، و" المغامرة " لانطونيونى .

أفلام دى سيكا ، وأفلام انجمار برجمان السويدى .

وفى الهند ظهرت للمخرج العظيم " ساتيا جيت راى " (Satyajit Ray ) فى النصف الثانى من الخمسينات ، ثلاثيته الشهيرة الشهيرة " باثار بانشالى، والمنتصر وعالم أبو " التى تصور قصة حياة عائلة فقيرة فى البنجال ، والتى علق عليها المخرج اليابانى الشهير كوروساوا بقوله " إن من لم ير أفلام (راى) كمن عاش فى هذا العالم دون أن يرى الشمس أو القمر " .

واستمر " راى " ينتج فيلما عظيما بعد الآخر حتى التسعينات ، دون أن يبدر منه  أى شئ يدل على ضعف الولاء لثقافة الهند وقيمها .

أما فى الغرب فقد استمر الإتجاه الذى بدأ فى أوائل الستينات يزداد قوة عاما بعد آخر وهو الإتجاه الذى كان يعكس بوضوح تام ما كان يحدث فى الحضارة الغربية بوجه عام :

إتجاه متزايد نحو الإباحية والتسامح مع كل الأهواء وكل النزعات الفردية مهما كانت درجة جموحها ، وإهتمام متزايد بالتكنيك أو(أسلوب وطريقة الإنتاج ) على حساب المحتوى والفكرة ، والإتجاهان مترابطان بلا شك .

فالإهتمام المتزايد بالتكنيك والإهمال المتزايد للقصة والموضوع ، يعكسان إعتقادا متزايد القوة بنسبية كل الأفكار ، ليس هناك موقف ، أو أيدولوجية أفضل من غيرها ، كل شئ جائز ،

 وكل الآراء على قدم المساواة ، فلماذا نتحمس لأحدها على حساب الآخر ؟

 وكذلك كل الأهواء والنزعات الفردية مهما كانت غريبة وشاذة ، فلماذا لانسمح لها كلها بالتعبير عن نفسها ؟ وكلا الإتجاهين يعكسان الرخاء المتزايد والتقدم التكنولوجى البالغ السرعة .

ولكن السبعينات والثمانينات حملت إلينا ما لم نكن نتصور حدوثه ، فالإباحية فى الفن والحياة فاقت كل الحدود ، وإذا بمعظم الأفلام التى تحظى بأكبر قدر من التعظيم والتكريم ، يصعب التمييزفيها بين ما يمكن إعتباره عملا فنيا حقيقيا وبين ما تقتصر مهمته على مجرد الإثارة الجنسية مهما إقترن بالتظاهر بالعمق .

وبعد أن كان الشذوذ الجنسى يطل برأسه على استحياء فى الستينات ، كاد فى أواخر الثمانينات يصبح من الواجبات المفروضة على المخرج من أجل ضمان النجاح تسويق الفيلم.

كذلك سيطر التكنيك سيطرة أصبحت معها الفكرة غير لازمة على الإطلاق .

وقد عدت لأختبرأفكارى ومشاعرى، إلى رؤية بعض الأفلام  التى تحمست لها فى مطلع الستينات كفيلم " الحياة الحلوة " لفيللنى ،و"المغامرة " لأنطونيونى ، فراعنى ما فى الفيليمين من خواء وتفاهة ، وتعجبت كيف أمكن خداعنا بهذه السهولة عن طريق بعض الحيل البسيطة .

عثرت مثلا على أفلام وودى ألن Woody Allen الرائعة ،
التى تقوم الآن فى رأيى بدور مماثل لما كانت تقوم به سينما شارلى شابلن فى فترة ما ين الحربين العالميتين ، كلاهما نقد للعصر ، رائع ونافذ وواضح تمام الوضوح .


والطريف أن نلاحظ أن وودى ألن لا يبدأ فيلمه بأن ينسب الفيلم كله لنفسه ،
 بل يخبرنا فقط بما صنعه فيه ، حتى ولو كان صاحب قصة الفيلم وكاتب حواره فضلا عن إخراجه وتمثيله ، 

تماما كما كان يفعل شارلى شابلن ، الذى لم يصح بنا قط قائلا أنه فيلسوف عصره ، بل تركنا لنكتشف ذلك بأنفسنا. 

0 التعليقات: