ماذا حدث للمصريين ؟14
التصييف
سرعان ما أنجبت
الثورة " طبقتها الراقية " الخاصة بها ، إذ لم يكن من المعقول أن يستمر
شهر العسل طويلا بين النخبة الحاكمة والجمهور ، وكان من المحتم أن ترغب هذه النخبة
فى تمييز نفسها عن بقية أفراد الشعب من ناحية ، والتمتع بثمرات ما منحتهم الثورة
من سلطات ونفوذ من ناحية أخرى.
لم تستطع حكومة
الثورة مقاومة إلحاح الطبقة الجديدة على أن يكون لها إمتيازات فى شواطئ المنتزه
أيضا ، رغم فتح الثورة لقصر المنتزه وحدائقه لكل طبقات الشعب كان رمزا لشعارات
الثورة فى التسوية بين الناس وإنتزاع حقوقهم من الطبقات العليا .
رضخت الحومة وبنت
كبائن جديدة على شواطئ المنتزه التى سميت بأسماء فرعونية كسميراميس وكيلوباتره (بالإضافة
إلى عايدة ) ووزعتها على الفئة " الممتازة " من الطبقة " الراقية
" الجديدة ،
ومنعت بقية الناس من إزعاجهم بوضع حراسة مشددة على هذه الشواطئ ،
وإن كانت الحكومة قد سمحت للناس ذرا
للرماد فى الأعين ، بالسير فى الحدائق بل والاستحمام مجانا فى جزء صغير جدا من
المنتزه ، أصبح مظهره وسط بقية الشواطئ المحمية مثيرا للضحك ، إذ كان إكتظاظ الناس
فى هذا الجزء من الشاطئ بالمقارنة بالإتساع الهائل المخصص لعائلات ضئيلة العدد ،
لا يختلف كثيرا عما كان عليه الحال قبل الثورة .
ثم حدث تطور مذهل فى
أوائل السبعينات ، إذ نشأ مصدر جديد للنمو السريع فى الثروات والدخول هو التضخم
الذى صاحب بداية الإنفتاح الإقتصادى فى أوائل عهد السادات .
فى الثمانينات أضيف
مصدر جديد ومهم لتزايد الثروات وهو الهجرة إلى بلاد النفط إبتداء من إرتفاع أسعاره
فى 1973 .
كان لابد أن نتوقع أن تتكون خلال هذه العقود
الأربعة من الخمسينات إلى الثمانينات من بين كل هذه الطبقات الصاعدة : الصاعدة
بسبب النفوذ والسلطة ، الصاعدة بسبب التضخم
والإنفتاح ، والصاعدة بسبب الهجرة ، شريحة إجتماعية جديدة يمكن تسميتها "بالطبقة
الراقية حقا " .
إن ثراء هذه الطبقة
ثراء غير عادى بالمرة ، وجديد تماما فى حجمه عن أى ثراء عرفه أى مصرى من قبل .
هذه الطبقة الراقية
حقا لم يعد يصلح لها بالطبع أى شاطئ من الشواطئ المعروفة ،
حتى لو كان بها متسع ،
ومن ثم كان لا بد أن يبنى لها شاطئ جديد ، بل يخلق لها خلقا بحر جديد لم يكن
موجودا أصلا، فتقام السدود والحواجز التى تحول البحر الهائج إلى بحيرات هادئة .
كانت هذه هى فكرة
" مارينا " التى فوجئنا بوجودها فى التسعينات ،
والتى أحيطت بأسوار
عالية يقف على أبوابها حراس أشداء يمنعون الدخول إلا لمن يثبت أنه على صلة بشخص
يملك فيلا من الفيلات فى الداخل .
0 التعليقات:
إرسال تعليق