10‏/03‏/2016

ماذا حدث للمصريين ؟ 15

ماذا حدث للمصريين ؟ 15

الإزدواجية الإجتماعية

إنقسام طبقى حاد : العاصمة المتضخمة والمزدحمة بسكانها والتى تسير فى شوارعها سيارات المرسيدس الفاخرة إلى جوار عربات الكارو .

الفتاة التى ترتدى أحدث موديلات الأزياء الغربية وهى تحاول عبور بركة من المجارى الطافحة .

أحدث أساليب تكنولوجيات الإعلام وهى تستخدم لبث أسخف البرامج التليفزيونية وأبعدها عن العقل ..إلخ .

ليس هناك أى ود حقيقى بين العالمين ، ولا يمكن أن يقوم ود حقيقى بينهما ، بل الأرجح ، كما يوحى الفيلم  -  المنسي - فى النهاية ، أن الصدام  بينهما حتمى ، وأن المسألة فقط هى مسألة وقت .

أول ما لفت نظرى هو نوع الشريحة الإجتماعية التى كانت تمثل الطبقة العليا عند الريحانى ، وما يقابلها عند عادل إمام.

       فهؤلاء "الذوات" عند الريحانى كانوا فى العادة ذوى بشرة ناصعة البياض تشوبها بعض الحمرة ، وتشير من طرف خفى أو صريح إلى العنصر التركى الكامن فى عروق هذه الطبقة .

بالمقارنة بهؤلاء تجد طبقة الذوات مصرية صميمة ( ككرم مطاوع مثلا ) ولولا نوع القماش الذى يرتديه أفراد هذه الطبقة ، والسيارات التى يركبونها لظننت أنهم مثلى ومثلك .

هى طبقة حديثة الثراء جدا ، إحتلت مراكزها الجديدة بسبب ظاهرة الحراك الإجتماعى السريع جدا الذى حدث خلال نصف القرن الماضى .

يرتبط بهذا الإختلاف الشديد فى مصدر الثروة والدخل ، فالذوات عند نجيب الريحانى هم تقريبا بدون استثناء ، ملاك أرض زراعية شاسعة ، أما عند عادل إمام فمصدر الثروة والدخل أمور مريبة بالفعل للغاية فكرم مطاوع فى فيلم "المنسى" مدين فى تكوين ثروته لأعمال تترواح بين أعمال السمسار والقواد والمسهلاتى .

عند نجيب الريحانى ربما كان ابن الذوات طفيليا حقا ، ولا ينتج بنفسه ، ولكن مصدر رزقه الواسع كان شيئا منتجا هو الأرض الزراعية  .

أما ابن الذوات عند عادل إمام ففضلا عن كونه طفيليا ، فإن مصدر رزقه الواسع أمور عليها ألف شائبة من الناحية الأخلاقية .

أضف إلى هذا الصعود السريع الذى أحرزه الذوات عند عادل إمام قد صبغ علاقتهم بأهل الشرائح الدنيا بسمات مهمة ، لم تكن موجودة عند ذوات نجيب الريحانى .

إن كرم مطاوع ( الذى يمثل الذوات الجدد ) ينظر إلى عادل إمام ( الذى يمثل مساكين اليوم ) بكراهية حقيقية ، 

وخوف مستطير ، إذ أن عادل إمام يمثل له ماضيه القريب جدا الذى يحاول نسيانه وينكره إنكارا ، بينما كان سليمان نجيب ( الذى يمثل الذوات القدامى ) ينظر إلى نجيب الريحانى ( الذى يمثل المساكين القدامى ) بعطف حقيقى مقترن بالإهمال والتجاهل .

كان الذوات عند نجيب الريحانى يشعرون رغم كل إرتباطهم بالثقافة الغربية ، بنوع من الإنتماء لبلدهم وثقافتهم الذى أصبح مفتقدا بشدة لدى ذوات عادل إمام .

كانت دخولهم بالجنيهات المصرية ، أما ذوات عادل إمام فلا يتعاملون إلا بالدولار .

كانت مصر فى نظر ذوات الريحانى هى مصدر رزقهم الحقيقى ، أما ذوات عادل إمام فمصدر رزقهم هم الأجانب.

ومن ثم فقد كان الملاك الكبار يعرفون فى داخل نفوسهم سواء إعترفوا بذلك أو لم يعترفوا ، أن الفلاح المصرى هو سبب نعمتهم الحقيقي .

أما الآن فالفلاح المصرى والعامل المصرى والموظف المصرى ، كلهم فى نظر ابن الذوات الجديد ، وجودهم كعدمهم ، بل ربما كان عدمهم أفضل ، إذ هم يأكلون ويشربون ويطالبون بدعم الرغيف .
على أن هناك نقطة تستحق الإنتباه ، فالظاهر أنه وإن كانت الإزدواجية مستمرة وآخذة فى التفاقم ، فإن هناك درجة معينة من الإزدواجية لا يستطيع المجتمع تحملها .

يظل السلام ممكنا بين الفريقين طالما أن الإزدواجية لم تبلغ هذا الحد ، ولكن السلام يصبح مستحيلا متى تجاوزته .


بل تنتهى والفريقان متربصان أحدهما بالآخر ، والأمر ينبئ أن المعركة  قادمة لا محالة ، بل لعلها قاب قوسين أو أدنى .

0 التعليقات: