ماذا حدث للمصريين ؟ 15
الإزدواجية الإجتماعية
إنقسام طبقى حاد :
العاصمة المتضخمة والمزدحمة بسكانها والتى تسير فى شوارعها سيارات المرسيدس
الفاخرة إلى جوار عربات الكارو .
الفتاة التى ترتدى
أحدث موديلات الأزياء الغربية وهى تحاول عبور بركة من المجارى الطافحة .
أحدث أساليب
تكنولوجيات الإعلام وهى تستخدم لبث أسخف البرامج التليفزيونية وأبعدها عن العقل
..إلخ .
ليس هناك أى ود حقيقى
بين العالمين ، ولا يمكن أن يقوم ود حقيقى بينهما ، بل الأرجح ، كما يوحى الفيلم - المنسي - فى النهاية ، أن الصدام بينهما حتمى ، وأن المسألة فقط هى مسألة وقت .
أول ما لفت نظرى هو
نوع الشريحة الإجتماعية التى كانت تمثل الطبقة العليا عند الريحانى ، وما يقابلها
عند عادل إمام.
فهؤلاء "الذوات" عند الريحانى
كانوا فى العادة ذوى بشرة ناصعة البياض تشوبها بعض الحمرة ، وتشير من طرف خفى أو
صريح إلى العنصر التركى الكامن فى عروق هذه الطبقة .
بالمقارنة بهؤلاء تجد
طبقة الذوات مصرية صميمة ( ككرم مطاوع مثلا ) ولولا نوع القماش الذى يرتديه أفراد
هذه الطبقة ، والسيارات التى يركبونها لظننت أنهم مثلى ومثلك .
هى طبقة حديثة الثراء
جدا ، إحتلت مراكزها الجديدة بسبب ظاهرة الحراك الإجتماعى السريع جدا الذى حدث
خلال نصف القرن الماضى .
يرتبط بهذا الإختلاف
الشديد فى مصدر الثروة والدخل ، فالذوات عند نجيب الريحانى هم تقريبا بدون استثناء
، ملاك أرض زراعية شاسعة ، أما عند عادل إمام فمصدر الثروة والدخل أمور مريبة
بالفعل للغاية فكرم مطاوع فى فيلم "المنسى" مدين فى تكوين ثروته لأعمال
تترواح بين أعمال السمسار والقواد والمسهلاتى .
عند نجيب الريحانى
ربما كان ابن الذوات طفيليا حقا ، ولا ينتج بنفسه ، ولكن مصدر رزقه الواسع كان
شيئا منتجا هو الأرض الزراعية .
أما ابن الذوات عند
عادل إمام ففضلا عن كونه طفيليا ، فإن مصدر رزقه الواسع أمور عليها ألف شائبة من
الناحية الأخلاقية .
أضف إلى هذا الصعود
السريع الذى أحرزه الذوات عند عادل إمام قد صبغ علاقتهم بأهل الشرائح الدنيا بسمات
مهمة ، لم تكن موجودة عند ذوات نجيب الريحانى .
إن كرم مطاوع ( الذى
يمثل الذوات الجدد ) ينظر إلى عادل إمام ( الذى يمثل مساكين اليوم ) بكراهية
حقيقية ،
وخوف مستطير ، إذ أن عادل إمام يمثل له ماضيه القريب جدا الذى يحاول
نسيانه وينكره إنكارا ، بينما كان سليمان نجيب ( الذى يمثل الذوات القدامى ) ينظر
إلى نجيب الريحانى ( الذى يمثل المساكين القدامى ) بعطف حقيقى مقترن بالإهمال
والتجاهل .
كان الذوات عند نجيب
الريحانى يشعرون رغم كل إرتباطهم بالثقافة الغربية ، بنوع من الإنتماء لبلدهم
وثقافتهم الذى أصبح مفتقدا بشدة لدى ذوات عادل إمام .
كانت دخولهم
بالجنيهات المصرية ، أما ذوات عادل إمام فلا يتعاملون إلا بالدولار .
كانت مصر فى نظر ذوات
الريحانى هى مصدر رزقهم الحقيقى ، أما ذوات عادل إمام فمصدر رزقهم هم الأجانب.
ومن ثم فقد كان
الملاك الكبار يعرفون فى داخل نفوسهم سواء إعترفوا بذلك أو لم يعترفوا ، أن الفلاح
المصرى هو سبب نعمتهم الحقيقي .
أما الآن فالفلاح
المصرى والعامل المصرى والموظف المصرى ، كلهم فى نظر ابن الذوات الجديد ، وجودهم
كعدمهم ، بل ربما كان عدمهم أفضل ، إذ هم يأكلون ويشربون ويطالبون بدعم الرغيف .
على أن هناك نقطة
تستحق الإنتباه ، فالظاهر أنه وإن كانت الإزدواجية مستمرة وآخذة فى التفاقم ، فإن
هناك درجة معينة من الإزدواجية لا يستطيع المجتمع تحملها .
يظل السلام ممكنا بين
الفريقين طالما أن الإزدواجية لم تبلغ هذا الحد ، ولكن السلام يصبح مستحيلا متى
تجاوزته .
بل تنتهى والفريقان
متربصان أحدهما بالآخر ، والأمر ينبئ أن المعركة قادمة لا محالة ، بل لعلها قاب قوسين أو أدنى .
0 التعليقات:
إرسال تعليق