ماذا حدث للمصريين 2
الحراك الإجتماعى
الحراك الإجتماعى
" Social
Mobility
" هذا الحراك هو فى رأيى الحلقة المفقودة فى التفسيرات المطروحة لأزمة
الإقتصاد والمجتمع المصرى ، وبحيث يكاد
يستحيل فى رأيى فهم ما حدث للمجتمع المصرى من تطورات خلال نصف القرن الماضى إلا
بتأمل ما حدث من تغير فى المركز النسبى للطبقات والشرائح الإجتماعية .
إن أهم ما طرأ على المجتمع المصرى من تحولات فى
الإقتصاد ، والحياة السياسية والإقتصادية وفى المناخ الثقافى لا يمكن رده مباشرة
إلى تغير فوقى فى السياسات الإقتصادية أو الخارجية ،
وإنما مارست هذه السياسات أثرها من خلال تأثيرها على التكوين
الطبقى للمجتمع للمحتمع المصرى ، أى من خلال ما أدت إليه من إرتفاع مذهل فى معدل
الحراك الإحتماعى بين الطبقات ، لم تشهد مثله مصر فى تاريخها الحديث على الأقل .
إن سياسة الإنفتاح والهجرة قد ساهمتا بالطبع فى الإسراع بهذا المعدل وتغير
طبيعته ولكنهما ليسا المسئولين الوحيدين عنه
، ما أن جذور هذا التغير تمتد إلى ما قبل السبعينات .
يترتب على ذلك أن المبالغة فى الربط بين سياسة الإنفتاح أو بين الهجرة وبين
الأزمة الراهنة من شأنها توليد إعتقاد خاطئ بسهولة التحول من السياسات الحالية إلى
نقيضها ، وقد يولد تفاؤلا غير مبرر بسهولة ‘حداث التغير المنشود .
لقد تعرضت ظاهرة الحراك
الإجتماعى فى مصر ، على الرغم من أهميتها الفائقة فى تفسير ما حدث ويحدث للإقتصاد
والمجتمع المصرى ، إلى إهمال غريب من جانب الإقتصاديين وعلماء الإجتماع على السواء
.
نتكلم أولا عن عوامل الحراك الإجتماعى فى مصر ، وعلاقته بالوضع الإقتصادى
الراهن ، ثم نتكلم عن آثاره الإجتماعية و السياسية والثقافية .
عوامل الحراك
الإحتماعى فى مصر 1945-1955:
كان السماح لأبناء الطبقات الدنيا بالإلتحاق بالكلية الحربية عاملا حاسما فى قيام الثورة نفسها وتدشين حكم
العسكريين .
حظى ضباط الجيش على الأخص بأكبر حظ فى هذا الترقى السريع بصرف النظر عن
بديتهم الطبقية .
التوسع فى حجم المؤسسة العسكرية وامتيازاتها ، تلك المؤسسة التى كانت دائما
قناة من قنوات الصعود الإجمتاعى
من هذه القنوات التى تميز بها العقدان الأخيران بوجه خاص، العمل فى خدمة
الأجنبى .
وقد أفاد من هذه القناة العاملون فى شركات وبنوك الإنفتاح ، والعاملون فى
قطاع التصدير والإستيراد ، وكتاب البحوث للمكاتب الإستشارية الأجنبية والهيئات
الدولية .
على أن أهم عاملين من عوامل الحراك الإجتماعى فى السبعينات والثمانينات
كانا هما : الهجرة إلى دول النفط وارتفاع معدل التضخم .
كلنا يعلم أن الهجرة لم تلعب دورا فى التاريخ المصرى حتى استقر الكتاب على
وصف الشعب المصرى بأنه شعب لا يهاجر بطبعه .
ولم يتبين لنا خطأ مقولة أن الشعب المصرى لا يهاجر بطبعه إلا بعد أن توقف
هذا العلاج الجديد أيضا ، وإذا بالشعب المصرى يظهر كغيره شعبا قادرا على الهجرة عندما تغلق أمامه جميع
الأبواب ، ولكن الهجرة من مصر ظلت حتى 1974 محدودة النطاق ، ولم تلعب دورا مهما
حتى ذلك الوقت فى رفع معدل الحراك الإجتماعى .
السلم الإجتماعى
ارتفاع معدل التضخم يعود كما هو معروف إلى تدفق السيولة النقدية بمعدل أكبر
من معدل الزيادة فى السلع والخدمات .
فقد أفاد من هذا التضخم ليس فقط ملاك العقارات المبنية الجديدة وأراضى
البناء والمقاولون وأصحاب الملكيات الزراعية الكبيرة والمتوسطة الذين يزرعون
محاصيل غيرتقليدية ، وأرباب الصناعة والمشتغلون بتجارة الجملة وتجارة التصدير
والأستيراد ، وكبار المهنيين المشتغليين لحسابهم ، الذين استطاعوا جميعا رفع
دخولهم أو هوامش أرباحهم أو قيمة أصولهم بما يفوق معدل التضخم .
بل أفادت أيضا من التضخم طوائف
واسعة من الحرفيين وعمال البناء والعمال الزراعيين الذين أفادوا من ندرة العمل
الناجمة عن الهجرة ، وهى طوائف كانت نتسب تقليديا لشرائح المجنمع الدنيا .
من ناحية أخرى لم يكن المضارون من التضخم هم فقط المتبطلون عن العمل وأصحاب
الحيازات الزراعية الصغيرة وأصحاب المعاشات وصغار الموظفين وعمال القطاع العام ،
بل أضيرت منه أيضا شرائح واسعة من الطبقة الوسطى من موظفى الحكومة والقطاع العام
وصغار المهنيين حديثى العهد بالتخرج .
أضف إلى ذلك ما أتاحه التضخم من فرص وخلقه من دوافع لتغيير مصدر الدخل .
خلاصة القول أنه اجتمعت مجموعة من العوامل للعمل على صعود طبقات وشرائح
اجتماعية كانت طوال النصف الأول من القرن تنتسب إلى الدرجات الدنيا .
هذه العوامل هى التوسع فى التعليم ، ونمو المؤسسة العسكرية ، والبيروقراطية الحكومية ، ومشروعات
التنمية الصناعية والزراعية ، والإتصال بالنشاط الإجنبى ، واهجرة والتضخم .
وفى نفس الوقت عملت مجموعة من المؤثرات على انحدار شرائح وطبقات إجتماعية
كانت تجلس فى أعلى السلم الإجتماعى ، تاركة مكانها لشرائح صاعدة من الطبقات الوسطى
والدنيا .
من هذه المؤثرات قيام الثورة نفسها بإحلال العسكريين محل الإرستقراطية
الزراعية والبورجوازية الكبيرة فى الحكم ، وإحلال مؤسسات سياسية جديدة محل الأحزاب
والمجالس السياسية التقليدية ، وإجراءات الإصلاح الزراعى والتأميم والحراسات ، واتساع دور الحكومة والقطاع العام
على حساب القطاع الخاص ، ثم ظاهرة التضخم مرة أخرى .
لم يكن هناك بد من أن يحدث هذا الإنقلاب فى البناء الطبقى للمجتمع المصرى
أثارا بعيدة الغور فى السلوك الإقتصادى والإجتماعى ، وفى المناخ الثقافى والسياسى
العام .
0 التعليقات:
إرسال تعليق