08‏/03‏/2016

ماذا حدث للمصريين 2

ماذا حدث للمصريين 2

                       الحراك الإجتماعى    

الحراك الإجتماعى " Social Mobility " هذا الحراك هو فى رأيى الحلقة المفقودة فى التفسيرات المطروحة لأزمة الإقتصاد  والمجتمع المصرى ، وبحيث يكاد يستحيل فى رأيى فهم ما حدث للمجتمع المصرى من تطورات خلال نصف القرن الماضى إلا بتأمل ما حدث من تغير فى المركز النسبى للطبقات والشرائح الإجتماعية .

     إن أهم ما طرأ على المجتمع المصرى من تحولات فى الإقتصاد ، والحياة السياسية والإقتصادية وفى المناخ الثقافى لا يمكن رده مباشرة إلى تغير فوقى فى السياسات الإقتصادية أو الخارجية ،

وإنما مارست هذه السياسات أثرها من خلال تأثيرها على التكوين الطبقى للمجتمع للمحتمع المصرى ، أى من خلال ما أدت إليه من إرتفاع مذهل فى معدل الحراك الإحتماعى بين الطبقات ، لم تشهد مثله مصر فى تاريخها الحديث على الأقل .

إن سياسة الإنفتاح والهجرة قد ساهمتا بالطبع فى الإسراع بهذا المعدل وتغير طبيعته ولكنهما ليسا المسئولين الوحيدين عنه  ، ما أن جذور هذا التغير تمتد إلى ما قبل السبعينات .

يترتب على ذلك أن المبالغة فى الربط بين سياسة الإنفتاح أو بين الهجرة وبين الأزمة الراهنة من شأنها توليد إعتقاد خاطئ بسهولة التحول من السياسات الحالية إلى نقيضها ، وقد يولد تفاؤلا غير مبرر بسهولة ‘حداث التغير المنشود .
      لقد تعرضت ظاهرة الحراك الإجتماعى فى مصر ، على الرغم من أهميتها الفائقة فى تفسير ما حدث ويحدث للإقتصاد والمجتمع المصرى ، إلى إهمال غريب من جانب الإقتصاديين وعلماء الإجتماع على السواء .
نتكلم أولا عن عوامل الحراك الإجتماعى فى مصر ، وعلاقته بالوضع الإقتصادى الراهن ، ثم نتكلم عن آثاره الإجتماعية و السياسية والثقافية .

 عوامل الحراك الإحتماعى فى مصر 1945-1955:

كان السماح لأبناء الطبقات الدنيا بالإلتحاق بالكلية الحربية  عاملا حاسما فى قيام الثورة نفسها وتدشين حكم العسكريين .

حظى ضباط الجيش على الأخص بأكبر حظ فى هذا الترقى السريع بصرف النظر عن بديتهم الطبقية .
التوسع فى حجم المؤسسة العسكرية وامتيازاتها ، تلك المؤسسة التى كانت دائما قناة من قنوات الصعود الإجمتاعى

من هذه القنوات التى تميز بها العقدان الأخيران بوجه خاص، العمل فى خدمة الأجنبى .
وقد أفاد من هذه القناة العاملون فى شركات وبنوك الإنفتاح ، والعاملون فى قطاع التصدير والإستيراد ، وكتاب البحوث للمكاتب الإستشارية الأجنبية والهيئات الدولية .
على أن أهم عاملين من عوامل الحراك الإجتماعى فى السبعينات والثمانينات كانا هما : الهجرة إلى دول النفط وارتفاع معدل التضخم .
كلنا يعلم أن الهجرة لم تلعب دورا فى التاريخ المصرى حتى استقر الكتاب على وصف الشعب المصرى بأنه شعب لا يهاجر بطبعه .
ولم يتبين لنا خطأ مقولة أن الشعب المصرى لا يهاجر بطبعه إلا بعد أن توقف هذا العلاج الجديد أيضا ، وإذا بالشعب المصرى يظهر كغيره  شعبا قادرا على الهجرة عندما تغلق أمامه جميع الأبواب ، ولكن الهجرة من مصر ظلت حتى 1974 محدودة النطاق ، ولم تلعب دورا مهما حتى ذلك الوقت فى رفع معدل الحراك الإجتماعى .

السلم الإجتماعى 

ارتفاع معدل التضخم يعود كما هو معروف إلى تدفق السيولة النقدية بمعدل أكبر من معدل الزيادة فى السلع والخدمات .

فقد أفاد من هذا التضخم ليس فقط ملاك العقارات المبنية الجديدة وأراضى البناء والمقاولون وأصحاب الملكيات الزراعية الكبيرة والمتوسطة الذين يزرعون محاصيل غيرتقليدية ، وأرباب الصناعة والمشتغلون بتجارة الجملة وتجارة التصدير والأستيراد ، وكبار المهنيين المشتغليين لحسابهم ، الذين استطاعوا جميعا رفع دخولهم أو هوامش أرباحهم أو قيمة أصولهم بما يفوق معدل التضخم .

 بل أفادت أيضا من التضخم طوائف واسعة من الحرفيين وعمال البناء والعمال الزراعيين الذين أفادوا من ندرة العمل الناجمة عن الهجرة ، وهى طوائف كانت نتسب تقليديا لشرائح المجنمع الدنيا .

من ناحية أخرى لم يكن المضارون من التضخم هم فقط المتبطلون عن العمل وأصحاب الحيازات الزراعية الصغيرة وأصحاب المعاشات وصغار الموظفين وعمال القطاع العام ، بل أضيرت منه أيضا شرائح واسعة من الطبقة الوسطى من موظفى الحكومة والقطاع العام وصغار المهنيين حديثى العهد بالتخرج .

أضف إلى ذلك ما أتاحه التضخم من فرص وخلقه من دوافع لتغيير مصدر الدخل .

خلاصة القول أنه اجتمعت مجموعة من العوامل للعمل على صعود طبقات وشرائح اجتماعية كانت طوال النصف الأول من القرن تنتسب إلى الدرجات الدنيا .

هذه العوامل هى التوسع فى التعليم ، ونمو المؤسسة  العسكرية ، والبيروقراطية الحكومية ، ومشروعات التنمية الصناعية والزراعية ، والإتصال بالنشاط الإجنبى ، واهجرة والتضخم .

وفى نفس الوقت عملت مجموعة من المؤثرات على انحدار شرائح وطبقات إجتماعية كانت تجلس فى أعلى السلم الإجتماعى ، تاركة مكانها لشرائح صاعدة من الطبقات الوسطى والدنيا .

من هذه المؤثرات قيام الثورة نفسها بإحلال العسكريين محل الإرستقراطية الزراعية والبورجوازية الكبيرة فى الحكم ، وإحلال مؤسسات سياسية جديدة محل الأحزاب والمجالس السياسية التقليدية ، وإجراءات الإصلاح الزراعى والتأميم  والحراسات ، واتساع دور الحكومة والقطاع العام على حساب القطاع الخاص ، ثم ظاهرة التضخم مرة أخرى .


لم يكن هناك بد من أن يحدث هذا الإنقلاب فى البناء الطبقى للمجتمع المصرى أثارا بعيدة الغور فى السلوك الإقتصادى والإجتماعى ، وفى المناخ الثقافى والسياسى العام .

0 التعليقات: