ماذا حدث للمصريين ؟ 17
الإقصاديون المصريون
يصعب أن نعثر على
متخصصين مصريين فى علم الإقتصاد قبل العشرينات من هذا القرن .
ومن ثم فمن الممكن
إتخاذ مطلع العشرينات نقطة البداية لتتبع تطور الفكر الإقتصادى المصرى ، فى
الجامعة المصرية التى تأسست فى مصر فى 1908.
كانت مصلحة الإحصاء
والتعداد قد تكونت ، كإحدى مصالح وزارة المالية منذ 1905، وكانت مصر قد أجرت أول
تعداد للسكان فى 1882 .
لم تكن تعتبر تنمية
مصرالإقتصادية بالمعنى الذى نفهمه الآن واحدا من أهدافها ، بل كان الهدف هو "
الإدارة الإستعمارية الكفء " وهو شئ مختلف تماما عن التنمية الإقتصادية .
إن أفضل من يقوم بهذه
" الإدارة الإستعمارية الكفء " هم بالطبع السياسيون والخبراء
البريطانيون أيضا المقيمون فى مصر دون حاجة تذكر إلى إقتصاديين مصريين .
ها هو ذا رجل يتطلع
إلى المستقبل بدلا من الماضى ، ويشغله تطور الصناعة المصرية بدلا من الزراعة .
وعلى الرغم من أن
طلعت حرب كان إقتصاديا عمليا وليس أكاديميا ، فإن كتاباته وخطبه ومقالاته ومذكراته
وتقاريره الإقتصادية تشكل علامة مهمة فى تطور الفكر الإقتصادى المصرى ، وتذكر بشدة
بكتابات التجاريين فى أوربا إبان عصر النهضة
.
فى 1960 تم إفتتاح
إول كلية متخصصة فى الإقتصاد وهى كلية الإقتصاد والعوم السياسية بجامعة القاهرة .
ففى خلال الخمسة عشر
عاما التى أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية ،
شهدت مصر إزدهارا ملحوظا فى
الحياة الثقافية والفنية يقارب إن لم يفق ما شهدته من إزدهار فى العقد التالى
للحرب العالمية الأولى .
وتفسير ذلك فى رأيى
إجتماع عدة ظروف فى نفس الوقت : حركة وطنية خلفت شعورا بالتفاؤل بالمستقبل ،
ودرجة
عالية من الاستقرار السياسى ومن التفاعل الصحى مع الثقافات الأجنبية ، مع توفر
مستوى عال من التعليم والثقافة لهذا الجيل من الإقتصاديين والكتاب والفنانين بوجه
عام .
مع إزدياد تدخل الدولة فى الإقتصاد بعد
منتصف الخمسينات زاد إلحاح الدولة على المثقفين بمن فى ذلك أساتذة الجامعات بأن يقوموا
بالتعبير والترويج للأيدولوجية التى تتبناها الحكومة ، ولكن من حيث أن الحكومة فى
البداية لم تكن هى نفسها تعرف بوضوح نوع هذه الأيدولوجية .
فإن التوجيهات
الصادرة من الحكومة كثيرا ما كانت تتعرض للتغير المفاجئ ، وكثيرا ما تصبح متضاربة
.
وقد سمح بعض الإقتصاديين
لأنفسهم للأسف ، بمن فيهم بعض الأكاديميين ، بأن يستدرجوا إلى هذا المنحدر ، وبأن
يولوا وجوههم إلى أى وجهة تحددها لهم السلطات .
هكذا بدأ الترويج
للنظام التعاونى فى منتصف الخمسينات ، تلاه الترويج لأسلوب التخطيط الإقتصادى فى
أواخر الخمسينات ، ثم للإشتراكية العربية إبتداء من 1961 ، ممزوجة ببعض ملامح
الماركسية فى أعقاب 1964 .
بينما أسرع بعض
الإقتصاديين الأكثر استعدادا للخضوع لرغبة السلطات إلى كتابة ما تريد السلطة أن
تقرأه ،
بدأ الإحباط يخيم على من كان منهم أكثر استقلالا فى الرأى خاصة وهم يرون
قلة حظ من إختار التفرغ للبحث غير المنحاز ، وقد فضل بعض هذا الفريق أن يترك
الجامعة برمتها ويبحث عن عمل خارج البلاد .
سمير أمين ، عندما أراد سمير أمين أن يكتب
نقدا لسياسة عبد الناصر الإقتصادية فى الستينات اضطر إلى استخدام اسم مستعار هو
" حسن رياض " ، ولكنه حتى بعد وفاة عبد الناصر لم يستطع العودة إلى مصر ،
فقد إحتاج ذلك إلى وفاة السادات أيضا .
تحول تمويل البعثات
الدراسية فى الخارج شيئا فشيئا من الحكومة المصرية إلى الكومات أو المؤسسات
الأجنبية .
مكاتب الاستشارات الأجنية داخل مصر كان من
الآثار المهمة لهذه التطورات ذلك الأثر الحتمى لطبيعة الهيئة المانحة للتمويل على
نوع وإتجاه البحوث الممولة .
كان لابد أن يترتب على ذلك فقدان الباحث
لاستقلاله ، ليس فقط فى تحديد الموضوع الذى يقوم ببحثه وفى تحديد الإتجاه العام
الذى يسلكه بل وفى النتائج التى يصل إليها ، إذ ليس من الصعب عادة أن يخمن المرء
أى نوع من النتائج تحب الهيئة الأجنبية أو الدولية الممولة أن يصل إليه البحث فى
النهاية .
وهكذا فإن تحرر الباحث من تدخل الدولة
وسيطرتها لم يكن يعنى فى الحقيقة استرداد الباحث لحريته واستقلاله ، بل كان يعنى
فى كثير من الأحوال خضوعه لنوع آخر من السيطرة ، ليس بالضرورة أقل ضررا ،
وهى
سيطرة المؤسسة الأجنبية أو الدولية ، وإذا بالحياد المزعوم للبحث اللإقتصادى لا
يزيد عن أن يكون حيادا ظاهريا وموهوما .
0 التعليقات:
إرسال تعليق