10‏/03‏/2016

ماذا حدث للمصريين ؟ 17

ماذا حدث للمصريين ؟ 17

                     الإقصاديون المصريون

يصعب أن نعثر على متخصصين مصريين فى علم الإقتصاد قبل العشرينات من هذا القرن .

ومن ثم فمن الممكن إتخاذ مطلع العشرينات نقطة البداية لتتبع تطور الفكر الإقتصادى المصرى ، فى الجامعة المصرية التى تأسست فى مصر فى 1908.

كانت مصلحة الإحصاء والتعداد قد تكونت ، كإحدى مصالح وزارة المالية منذ 1905، وكانت مصر قد أجرت أول تعداد للسكان فى 1882 .

لم تكن تعتبر تنمية مصرالإقتصادية بالمعنى الذى نفهمه الآن واحدا من أهدافها ، بل كان الهدف هو " الإدارة الإستعمارية الكفء " وهو شئ مختلف تماما عن التنمية الإقتصادية .

إن أفضل من يقوم بهذه " الإدارة الإستعمارية الكفء " هم بالطبع السياسيون والخبراء البريطانيون أيضا المقيمون فى مصر دون حاجة تذكر إلى إقتصاديين مصريين .

ها هو ذا رجل يتطلع إلى المستقبل بدلا من الماضى ، ويشغله تطور الصناعة المصرية بدلا من الزراعة .

وعلى الرغم من أن طلعت حرب كان إقتصاديا عمليا وليس أكاديميا ، فإن كتاباته وخطبه ومقالاته ومذكراته وتقاريره الإقتصادية تشكل علامة مهمة فى تطور الفكر الإقتصادى المصرى ، وتذكر بشدة بكتابات التجاريين فى أوربا إبان عصر النهضة  .

فى 1960 تم إفتتاح إول كلية متخصصة فى الإقتصاد وهى كلية الإقتصاد والعوم السياسية بجامعة القاهرة .

ففى خلال الخمسة عشر عاما التى أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية ،

 شهدت مصر إزدهارا ملحوظا فى الحياة الثقافية والفنية يقارب إن لم يفق ما شهدته من إزدهار فى العقد التالى للحرب العالمية الأولى .

وتفسير ذلك فى رأيى إجتماع عدة ظروف فى نفس الوقت : حركة وطنية خلفت شعورا بالتفاؤل بالمستقبل ، 

ودرجة عالية من الاستقرار السياسى ومن التفاعل الصحى مع الثقافات الأجنبية ، مع توفر مستوى عال من التعليم والثقافة لهذا الجيل من الإقتصاديين والكتاب والفنانين بوجه عام .

        مع إزدياد تدخل الدولة فى الإقتصاد بعد منتصف الخمسينات زاد إلحاح الدولة على المثقفين بمن فى ذلك أساتذة الجامعات بأن يقوموا بالتعبير والترويج للأيدولوجية التى تتبناها الحكومة ، ولكن من حيث أن الحكومة فى البداية لم تكن هى نفسها تعرف بوضوح نوع هذه الأيدولوجية .

فإن التوجيهات الصادرة من الحكومة كثيرا ما كانت تتعرض للتغير المفاجئ ، وكثيرا ما تصبح متضاربة .
وقد سمح بعض الإقتصاديين لأنفسهم للأسف ، بمن فيهم بعض الأكاديميين ، بأن يستدرجوا إلى هذا المنحدر ، وبأن يولوا وجوههم إلى أى وجهة تحددها لهم السلطات .

هكذا بدأ الترويج للنظام التعاونى فى منتصف الخمسينات ، تلاه الترويج لأسلوب التخطيط الإقتصادى فى أواخر الخمسينات ، ثم للإشتراكية العربية إبتداء من 1961 ، ممزوجة ببعض ملامح الماركسية فى أعقاب 1964 .

بينما أسرع بعض الإقتصاديين الأكثر استعدادا للخضوع لرغبة السلطات إلى كتابة ما تريد السلطة أن تقرأه ،

 بدأ الإحباط يخيم على من كان منهم أكثر استقلالا فى الرأى خاصة وهم يرون قلة حظ من إختار التفرغ للبحث غير المنحاز ، وقد فضل بعض هذا الفريق أن يترك الجامعة برمتها ويبحث عن عمل خارج البلاد .

     سمير أمين ، عندما أراد سمير أمين أن يكتب نقدا لسياسة عبد الناصر الإقتصادية فى الستينات اضطر إلى استخدام اسم مستعار هو " حسن رياض " ، ولكنه حتى بعد وفاة عبد الناصر لم يستطع العودة إلى مصر ، فقد إحتاج ذلك إلى وفاة السادات أيضا .

تحول تمويل البعثات الدراسية فى الخارج شيئا فشيئا من الحكومة المصرية إلى الكومات أو المؤسسات الأجنبية .
 مكاتب الاستشارات الأجنية داخل مصر كان من الآثار المهمة لهذه التطورات ذلك الأثر الحتمى لطبيعة الهيئة المانحة للتمويل على نوع وإتجاه البحوث الممولة .

     كان لابد أن يترتب على ذلك فقدان الباحث لاستقلاله ، ليس فقط فى تحديد الموضوع الذى يقوم ببحثه وفى تحديد الإتجاه العام الذى يسلكه بل وفى النتائج التى يصل إليها ، إذ ليس من الصعب عادة أن يخمن المرء أى نوع من النتائج تحب الهيئة الأجنبية أو الدولية الممولة أن يصل إليه البحث فى النهاية .


   وهكذا فإن تحرر الباحث من تدخل الدولة وسيطرتها لم يكن يعنى فى الحقيقة استرداد الباحث لحريته واستقلاله ، بل كان يعنى فى كثير من الأحوال خضوعه لنوع آخر من السيطرة ، ليس بالضرورة أقل ضررا ، 

وهى سيطرة المؤسسة الأجنبية أو الدولية ، وإذا بالحياد المزعوم للبحث اللإقتصادى لا يزيد عن أن يكون حيادا ظاهريا وموهوما . 

0 التعليقات: