08‏/03‏/2016

ماذا حدث للمصريين ؟ 3

ماذا حدث للمصريين ؟ 3






الحراك الإجتماعى وأنماط الإستهلاك:

شيوع الإستهلاك المظهرى أو الترقى ، من أهم عوامل المحاكاة رغبة الفرد فى الظهور بالإنتماء إلى طبقة أعلى من طبقته الحقيقية أو الأصلية ، ومن ثم فإن من أهم دوافع الإستهلاك المظهرى الرغبة فى الحصول على رموز طبقية تؤكد الإرتفاع على درجات السلم الإجتماعى .

إن الإصرار على إقتناء السيارة الخاصة مثلا ، أو التليفزيون الملون ، أو جهاز الفيديو ، هو وسيلة من وسائل الطبقة الصاعدة لأكيد صعودها ونفى انتسابها للقديم ، ولكنه قد يكون أيضا وسيلة الطبقة المهددة فى مركزها الإجتماعى للتظاهر بعدم انحدارها ، واستمرار احتفاظها بمركزها الإجتماعى القديم .

إن هذا التأكيد من جانبنا على الدافع الطبقى الكامن وراء الإستهلاك المظهرى تنبع أهميته من أمرين :
الأمر الأول : أنه يبين خطأ المبلغة فى قدرة السلطة السياسية على كبح جماح هذا النوع من الإستهلاك .

الأمر الثانى :  قديكون الإقبال على هذا النوع من الإستهلاك مرتبطا فقط بالمراحل الأولى من مراحل الصعود أو الهبوط يزول أو تقل أهميته مع ازدياد ثقة الطبقة الصاعدة بنفسها، ومع إدراك الطبقات الهابطة بعدم جدوى المقاومة

إن هذا يقودنا إلى إدراك إلى  أى مدى يرتبط الإختلال فى ميزان المدفوعات بارتفاع معدل الحراك الإجتماعى ، فالتزايد المذهل فى قيمة الواردات المصرية ( وتراخى النموفى الصادرات ) هو فى جزء منه انعكاس لهذا الحراك الإجتماعى .

إذا صح ذلك فإن ما يسمى بترشيد الواردات قد يصادف صعوبات أكبر بكثير مما يتصوره البعض ممن يقصرون نظرهم على الصفات المادية للسلع ويغفلون عن وظيفتها الإجتماعية .

الحراك الإجتماعى وأنماط الإستثمار  :

لقد شاعت الشكوى خاصة فى السبعينات والثمانينات ، من اتجاه الإستثمار فى مصر إلى فروع غير منتجة أو قليلة الإنتاجية من وجهة نظر المجتمع ، كالمضاربة على الأراضى والإسكان الفاخر والتجارة وفروع الصناعة والخدمات ضعيفة الأثر فى دفع عجلة التنمية .

فكثير مما يسمى بالاستثمار غير المنتج أصبح هو نفسه من رموز الصعود الإجتماعى .

هناك علاقة وثيقة بين غلبة الاستثمار غير المنتج بصفة عامة وبين الحراك الإجتماعى ، ذلك أن كثيرا مما يسمى بالاستثمار غير المنتج هو فى العادة أسرع عائدا وأقل مخاطرة من الاستثمار الزراعى والصناعى .

ومن ثم فهو أكثر ملائمة لأفراد يستعجلون إثبات رقيهم الإجتماعى ، وقد يتطلب أيضا مستوى منخفضا نسبيا من التعليم والخبرة ، مما يلائم أيضا الطبقات حديثة العهد بالثروة والتعليم ، بينما تناسب فروع النشاط الإنتاجى طبقات أكثر استقرارا ، وأشد ثقة ، أرقى تعليما ، وأقل لهفة .

المؤكد ان الحكومة كان باستطاعتها فرض القيود على الاستثمار الخاص غير المنتج وملاحقته بالضرائب العالية وتوجيه جزء منه إلى استثمارات أكثر جدوى من وجهة نظر التنمية فى هذا المجال .
ونحن لا نستهين بما يمكن للحكومة أن تفعله فى هذا المجال لصالح التنمية .

الحراك  الإجتماعى وعجز الميزانية ومعدل التضخم:

العلاقة بين ظاهرة الحراك الإجتماعى وتفاقم العجز فى ميزانية الدولة حتى وقت قريب ، أى عجز الحكومة عن توليد إيرادات تتزايد بنفس معدل زيادة نفقاتها .

فكثير من أصحاب السلطة فى إصدار التشريع الضريبى هم أنفسهم من أصحاب الدخول والثروات الجديدة ، ومن ثم  فهم من أقل الناس استعدادا لسد ما فى قوانين الضرائب من ثغرات .

فهم لا يشعرون بدين للدولة فى حصولهم على مصادر رزقهم الجديدة ، على النحو الذى كان يشعر به المالك الزراعى أو الصناعى الكبير فى الماضى ، حينما كانت الدولة تقوم بالنيابة عن الملاك بمشروعات الرى والصرف وسائرالمرافق وتصون الأمن ، وتحمى القانون ، وتفرض عليهم الضرائب لتمويل كل ذلك .

فأى دين للدولة يشعر به أولئك الذين كونوا ثرواتهم من أعمال المقاولة والسمسرة والمضاربة وتأجير الشقق المفروشة ، والذين يشعرون بأن دخولهم وثرواتهم لم تكن إلا ثمرة الشطارة والهمة ؟  

بل إن كثيرا من هذه الدخول لا يتطلب وجوده أصلا نشاطا إيجابيا من جانب الدولة بل لعله يشترط غيابها .
وأى دين للدولة يشعر به المهاجر الذى لم يكون ثروته إلا بالإغتراب عن بلده ولم تفعل له الدولة أكثر من السماح له بالخروج .

ثم إن حديثى الثراء الذين تتولد دخولهم وثرواتهم من ظروف غير مضمونة الإستمرار كالهجرة وأعمال الوساطة ، والممولون المنتمون إلى طبقات آخذة فى الهبوط يصعب عليهم دفع الضرائب المستحقة لإعتبارات أخرى ، فهم يشعرون بالضغينة لإنخفاض مركزهم الإجتماعى ، ويستميتون فى الإحتفاظ بما بقى لديهم منه ، ويستنكرون أن تأتى الضريبة لتزيد مركزهم سوءا على سوء .

وهم يرون من يعتبرونه أقل استحقاقا لا يكف عن الصعود بسرعة مذهلة دون أن تصيبه الضريبة .
وفى ظروف التضخم الجامح يزداد شعور هذه الطبقة بالضغينة إذ يرون دخولهم الحقيقية تتآكل على أى حال بارتفاع الأسعار الذى لا يفيد منه فى نظرهم إلا طبقات حيثة العهد بالنعمة .

 إن إرتفاع معدل التضخم نفسه لا يمكن تفسيره بمعزل عن إرتفاع معدل الحراك الإجتماعى 

0 التعليقات: