09‏/08‏/2009

دستور أمة الإسلام - جمل مختارة 7

مكث رسول الله صلي الله عليه وسلم في قباء أربعة أيام وهي في نظر الكثيرين فترة طويلة ، ولكن الحقيقة أنه أستوعب خلال هذه الأيام معلومات كثيرة عن الأحوال في المدينة ومن خصائص النبي محمد صلي الله عليه وسلم أنه كان يجيد الإنصات ، وكان يعي ممن يحدثه كل شيئ ولهذا لم يكن هناك أعلم منه بالعرب والدنيا من حولهم ، وأن الإنسان ليعجب من دقيق ملاحظاته واتساع معلوماته عن العرب خاصة ، كان يعرفهم قبيلة قبيلة وأين تعيش ومن رؤساؤها ، وما موقفهم من الإسلام وما موقفهم من قريش وعلاقاتهم بمن حولهم تقابل ذلك حقيقة كبري وهي أنه كان قليل الكلام ، فإذا تكلم قصد إلي ما يريد رأساً في أقصر عبارة وأبلغها . كان يفضل السماع علي الكلام وما أحب أحداً – أيا كان – أن يتحدث إليه إلا أعاره سمعه وصبر عليه حتي يقول كل ما يريد أن يقول ثم يجيبه بما ينبغي أن يقال .

...
أين قصد الرسول صلي الله عليه وسلم حين دخل المدينة ؟

لقد كان يريد أن يستقر في وسط المدينة وسط السهل المحصور بيين الحرتين أو اللابتين ولا يريد أن ينزل عند قوم ذوي جرأة علي القتال وميل للحرب ، فقد كان يستطيع أن ينزل عند بني سالم الحبلي أو عند ني بياضة ولكنه عرف أن هؤلاء أيضاً بينهم وبين جيرانهم خصومات وتارات ، ورفض أن ينزل في منازل بني ساعدة فهناك سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وهما زعيمان فيهما تطلع للرياسة وعصبية وضعف عن ضبط النفس ، ولم ينزل كذلك عند بني الحارث بن الخزرج فقد لهم وزن سياسي خفيف في المدينة وهم قوم سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة ، ولكنه استقر عند بني مالك بن النجار دون بني عدي ابن النجار . فقد كان بنو النجار عموماً هم من أضخم الأحلاف القبلية في المدينة ، وكانت فيهم دماثة وعقل وحكمة وحكمة وهم قوم أسعد بن زرارة وعمارة بن حزم ومعاذ بن الحارث ونفر آخر كثير ممن ستتجلي مواهبهم في أمة المدينة وكان أبو أمامة أسعد بن زرارة بالذات أثير علي الرسول صلي الله عليه وسلم لأنه كان من السابقين الأولين ممن دخلوا الإسلام من أهل المدينة وهو أول من اتخذ مصلي في أرضه ، ولولا أنه مات قبل بدر بقليل لكان له شأن عظيم ..

أما قوله صلي الله عليه وسلم دعوها فإنها مأمورة ، لماذا نفسرها علي إنها مأمورة من الله سبحانه وتعالي ؟
ولماذا لا نفسرها علي أنها مأمورة من محمد صلي الله عليه وسلم
...

نقول هذا لأننا مادمنا نتكلم عن الإسلام وأمته الجديدة فلا محل لعمومة ولا خؤولة ولا قرابة إنما هو الإسلام وأمة الإسلام وقد ظهرت مسألة الخؤلة هذه فيما بعد ابتكرتها الأجيال المتأخرة .

...

والجميل في سيرة الرسول صلي الله عليه وسلم أننا نراه منذ وطئت قدماه قباء يتصرف كأنه يسير علي خطة محكمة وضعها بإحكام من قبل . وعندما جاءت الفرصة سار في التنفيذ قدما كل خطوة تعقبها خطوة والخطوات تتلاحق وتتكامل وبناء الأمة يسير بترتيب وإحكام وتوقيت دقيق كأنما كان محمد صلي الله عليه وسلم يعلم أنه لم تبق له من سنوات العمر إلا عشر سنوات وبضعة شهور هجرية ولابد له أن يتم رسالته كاملة خلال هذا الأمد القصير فليست هناك ساعة واحدة للضياع وفعلاً : خلال هذه الفترة لم يسكن محمد صلي الله عليه وسلم لحظة من نهار وما كان يصيب من النوم أكثر من ثلاث ساعات أو أربع ساعات علي الأكثر في اليوم والليلة وقد حسبتها ألف مرة في دراستي للسيرة فلم أجده يوما واحداً نام أكثر من هذا القدر

0 التعليقات: