09‏/08‏/2009

دستور أمة الإسلام - جمل مختارة 6

وقامت أمة الإسلام علي خطة دقيقة وتوقيت محكم

عاد أهل يثرب إلي مدينتهم فرحين بما آتاهم الله ، وعاد معهم معلمهم ومقرئهم الصادق المتفاني في الله ورسوله مصعب بن عمير ، وعاد محمد صلي الله عليه وسلم إلي داره وقد اطمأن قلبه إلي أنه وجد الجماعة القوية التي ينشيئ فيها أمة الإسلام .

ومن بديع صنع الله للإسلام وأمته أن محمداً بعد الطائف عرض دعوته علي القبائل خارج مكة دون أن يخطر بباله أن يقصد يثرب
ذهب إلي بني عبد الله من كندة في منازلهم وأتي بني حنيفة في منازلهم وبني عامر بن صعصعة في ديارهم فلم يستمع أحد منهم إليه حتي جاءه أهل يثرب إلي داره وقلوبهم علي أكفهم يطلبون دخول الإسلام ، ولم يدخلوا فيه فحسب ، بل عرضوا أن يكونوا هم أمة الإسلام وأن يكون بلدهم مهده.

ما معني ذلك لموضوعنا ، هو قيام أمة الإسلام وبناؤها ؟
معناه أن الأمة هي التي تختار من يتولي أمرها ، ولا يكون من سيتولي الأمر هو الذي يفرض نفسه

هكذا كان في تقدير الله لأمة الإسلام وهي أمته
هي التي تختار لنفسها
لقد أراد محمد صلي الله عليه وسلم أن يختار أمته ، ولكن الذي حدث هو أن الأمة هي التي اختارته

فأين هذا مما يقوله بعض العلماء الذي يزعم ان الأمة ينبغي أن تخضع لمن يفرض نفسه عليها ولو كان سفاكاً قاتلاً غاصباً
.....

ويهمنا هنا ما يذكره ابن كثير في تاريخه من أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قبل خروجه من مكة كان قد واعد عبد الرحمن بن عوف علي أن يلقاه علي مسافة من قباء بثياب جديدة بيض له ولأبي بكر...

غير أن هذا الاهتمام من رسول الله صلي الله عليه وسلم بأن يدخل المدينة في ثياب جدد ناصعة البياض لابد أن يستلفت نظرنا
وذلك أن الله سبحانه برأ محمداً صلي الله عليه وسلم علي صورة تأخذ القلوب فعلاً .. فالثابت أن محمداً صلي الله عليه وسلم كان وسيما قسيما بهي الصورة وضيئاً ذا هيئة متناسبة جميلة توقع في قلب من يراه المحبة والهيبة في آن معاً ، وكان وجهه ينطق عن شخصية عظيمة مهيبة حقاً ، وقد زان وجهه شعر غزير كان الرسول صلي الله عليه وسلم شديد الحرص علي ترجيله وتهذيبه وإرساله وراء أذنيه .

وقد أكمل رسول الله صلي الله عليه وسلم هذه الصورة البديعة التي برأ الله عليها بعناية دائمة بمظهره دون تكلف أو ترف ، فما عرفنا من ثيابه إلا القطن الأبيض والصوف البسيط ، وكلاهما في غاية النظافة ، فقد كان صلي الله عليه وسلم يغتسل مرة علي الأقل في اليوم غير الوضوء السابغ خمس مرات علي الأقل في اليوم ، وكان يغسل ثوبه بيده مرتين في اليوم في غالب الأيام ، وكان حريصاً علي أن يكون هذا الهندام البسيط دائماً في أحسن صورة ، وكان لا يطيق وضراً في بيته حتي كان يكنسه بيده ولا يأكل أو يشرب إلا نظيفاً بل كان لا يأكل شيئاً فيه ثوم أو بصل ، فكان يرده ويقول : " كلوا أنتم ، إنما أنا رجل أناجي" أي أنه يتحدث إلي الناس من قريب ، ولا يحب ريح هذه الشجرة .. أي شجرة الثوم أو البصل .

والسواك وهو فرشة الاسنان الطبيعية لم يستعمله أحد في التاريخ كما استعمله محمد صلي الله عليه وسلم ، لأنه كان حريصاً أشد الحرص علي بهاء أسنانه وطيب نفسه لقد كان يقبل عليه حتي خاف بعض الصحابة أن يكون الله سبحانه وتعالي سيجعله فرضاً علي المسلمين ، وإنه لمن غرائب الأخبار أن آخر شيئ طلبه رسول الله صلي الله عليه وسلم في مرضه وقبل أن يدخل في غيبوبة الموت هو السواك فناولته إياه عائشة رضي الله عنها فاستن به كأحسن ما رأته يستن بسواك ، ثم وضعه ، ووجدت رسول الله يثقل في حجري فذهبت أنظر في وجهه فإذا بصره قد شخص وهو يقول : بل الرفيق الأعلي من الجنة " هذا كلام عائشة رضي الله عنها .

0 التعليقات: