04‏/08‏/2009

دستور أمة الإسلام - جمل مختارة 3

البيعة عقيدة والتزام

البيعة الأولي كانت علي التوحيد والخط الإسلامي الأخلاقي ، ثم كانت العقبة الثانية بعد ذلك بعام أو أقل ، وفيها يأخذ الميثاق صورة جديدة تؤيد صورة ميثاق العقبة الأولي من ناحية ، وتزيد عليها بعد ذلك ، فمحمد سيترك بلده وينتقل إلي بلد آخر بين قوم جدد معظمهم لا يعرفونه ، فلابد أن يكون في الاتفاق ما يضمن له الأمن والسلامة ، ويفتح أمامه الأبواب لنشر الإسلام
...
أما بيعة العقبة الثانية فكانت الحجر الأول في بناء الأمة ، أي أن الدخول في تلك البيعة كان يستتبع الدخول في الأمة ، والأمة كيان سياسي يعطي الداخلين فيه ميزات .. أي أن عضو الأمة لابد أن يكون مستعداً للذياد عنها بماله ودمه .
في مقابل ذلك التزم الرسول صلي الله عليه وسلم – وكان ملتزما به دون حاجة إلي القول – بأن ينفصل تماماً عن قومه ، وأن يظل في أمته ومعها ، وأن يكون من الأمة والأمة منه

لقد قامت الأمة بهذا الميثاق ، نعم إن عدد أفرادها الذين بايعوا الرسول صلي الله عليه وسلم كانوا ثلاث وسبعين رجلاً وأمرأتين ، ولكن هذا العدد هنا لايهم ، لأن وراء كل واحد من هؤلاء رجالا كثيرين ، ثم إننا سنري أن كل واحد من هؤلاء سيتحول بمجرد دخوله في الإسلام وأمته من رجل جاهلي مجهول إلي صانع من صناع التاريخ ، لأن الإسلام يصنع الذين يدخلون فيه عن إيمان وصدق صنعاً جديداً .

والقضية هنا متبادلة : الإسلام يصنع رجاله ورجاله يصنعون أمته .. وأمته إذا بنيت بناء سليما . تصنع رجالها ، فهي أمة متجددة أو ينبغي أن تكون متجددة شريفة .. أن تكون سليمة التأسيس وأطرافها كلهم عارفين بمالهم وما عليهم ، أما أن يحسب الإنسان منا أن مجرد النطق بالشهادتين والقيام بعبادات الإسلام مستحقاً لكل ثواب المسلم العالم العامل المشارك في بناء أمته وقوتها فكلام لا يستقيم
....
وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لهم : " أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيباً . تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس"

والنقيب كما في لسان العرب هو عريف القوم والجمع نقباء والنقيب العريف وهو شاهد القوم وضمينهم . أي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم طلب إليهم أن ينتخبوا من بينهم اثني عشر مندوباً أو نائباً كما نقول لكي يتحدثوا باسم جماعتهم لكي يشاورهم الرسول صلي الله عليه وسلم في الأمر ..

( هي الشوري إذن ) ...

وفيم كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يحتاج لهؤلاء النقباء أو العرفاء أو النواب ؟ لقد وثق فيه القوم وباعيوه وأعطوه صفحة يمينهم بل قال البراء بن معرور : إنهم مستعدون لأن يقوموا بكل ما يطلب منهم ..

وقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يستطيع أن يختار من يريد ليستشيره فيما يري ، كما سيفعل حكام المسلمين فيما بعد ، ويكون المستشارون مرايا يري الحاكم فيهم نفسه ، يشيرون عليه بما في نفسه استبلاغاً في الذلة والطاعة .
ولكن الرسول صلي الله عليه وسلم طلب إليهم أن يختاروا من بينهم من يمثلهم ويتحدث باسمهم ، لأن الإسلام كما قلنا يقوم علي التراضي والاتفاق والتشاور في كل ما يتعلق بأمور المعاش ، وسنري فيما سنقص من قيام أمة المدينة أن هؤلاء النقباء كانوا نواباً بالفعل عن قومهم وعن الإسلام كله ، حقاً لم يكونوا بأهل انقياد وتسليم ، بل أهل رأي ومشورة ، وقد كان لهم النصيب الأول في شئون أمة المدينة وفي أكثر من موقف كان رأ] رجال من أهل الشوري هو الذي قاد المسلمين إلي الطريق السليم .

وكان هذا يعجب محمداً صلي الله عليه وسلم ويسره ، لأنه كان يعلم أن الناس أعرف بأمور دنياهم ، وقد قالها بالفعل ... إذن فلا يستقيم أمر أمة الإسلام إلا بأهل الشوري يختارهم الناس اختياراً حراً . كما حدث أيام رسول الله صلي الله عليه وسلم .
وإذن فالشوري بصورتها التي قدرها الرسول صلي الله عليه وسلم بها ونفذها أساس من أسس بناء أمة الإسلام .

..
قال تعالي : " فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر .."
ولفظ شاورهم هنا فعل أمر مثله مثل أقم الصلاة ، فلماذا أهمل الفقهاء الوقوف عند ذلك الأمر الصريح ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ولماذا لم يقننوه ويضعوا النظام لتطبيقه ؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ولماذا طبق المسلمون الشوري أيام الرسول صلي الله عليه وسلم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

لأنه كان رحيم القلب لين الطبع يصفح ويعفو ويستغفر للناس، ولماذا لم يطبق الحكام من بعده الشوري ؟؟؟؟؟؟؟
لأنه كان كل منهم فظا غليظ القلب تهون عليه الدماء في سبيل السلطان ، ولهذا خافه الفقهاء وأهل الرأي علي أنفسهم ..

وماكان ينبغي أن يخافوا
لأن الموت في سبيل الحق
أساس من أسس قوة أمة المدينة
..




0 التعليقات: