دستور أمة الإسلام - جمل مختارة 5

وبايعت الرسول صلي الله عليه وسلم يوم العقبة الثانية امرأتان ، هل هذه مصادفة ؟

أم أن وجود هاتين الصحابيتين الجليلتين في هذا الحدث الحاسم كان رمزاً علي جانب أساسي من تكوين أمة الإسلام .
لا موضع للمصادفة هنا فيما نري فإنه ليس من العادي في ذلك العصر أن تخرج امرأتان مع قومهما بعد منتصف الليل وتذهبان إلي شعاب الجبال في أقصي شمال مكة ، لتشتركا في اجتماع كان المفروض من بدء الخليقة إلي ذلك الحين أنه من مشاهد الرجال دون النساء

( المرأتان هما نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف التي اشتهرت باسم أم عمارة الأنصارية ، والثانية أم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي من بني سلمة من الخزرج )

..

تعال ننظر ما فعلته أم عمارة نسيبة الانصارية في يوم أحد وفي ميدان الجهاد وهوميدان الشرف والإيمان وفيه توزن وزنها الصحيح أقدار الناس ...
قال الواقدي إنها خرجت أول النهار إلي ميدان المعركة ومعها إناء ماء لتسقي الجرحي " فقاتلت يومئذ وأبلت بلاء حسناً فجرحت اثنا عشر جرحاً بين طعنة برمح أو ضربة بسيف "
وقالت أم عمارة " لقد رأيتني وانكشف الناس عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فما بقي إلا نفير " لا يتمون عشرة" وأنا وأبنائي وزوجي نذب عنه صلي الله عليه وسلم ، والناس يمرون به منهزمين ، ورآني رسول الله صلي الله عليه وسلم لا ترس معي ، فرأي رجلاً مولياً معه ترس فقال : ياصاحب الترس الق ترسك إلي من يقاتل ، فألأقي ترسه ، فأخذته فجعلت أترس عن رسول الله صلي الله عليه وسلم .. فأقبل رجل علي فرس فضربني ، وترست له فلم يصنع سيفه شيئاً وولي وأضرب عرقوب فرسه فيقع علي ظهره ، فجعل رسول الله صلي الله عليه وسلم يصيح : ياابن أم عمارة ، أمك .. أمك : قلت : فعاونني عليه حتي أوردته شعوب

وقد روي عمر بن الخطاب أنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم أحد يقول : ما التفت يميناً أو شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني ..

إن كل كلمة نقرؤها في أخبار بناء أمة الإسلام إنما هي رمز علي مبدأ من مباديئ الأمة الجديدة ، والذي حدث أن الأجيال التي جاءت بعد لم تكن قادرة علي إلاحساس بروح عصر النبوة ، وترجمت السيرة بحسب مفهومها وتصورها ..

.....

وما العبرة من إرسال الرسول صلي الله عليه وسلم مصعباً إلي المدينة داعياً ؟

العبرة أن الأمة الإسلامية لابد أن يكون لها دعاة علي حدودها يمدون بساطها ويزيدون مساحتها ، ويذهبون لذلك حسبة لوجه الله وزهداً في الدنيا وحباً في الله ورسوله صلي الله عليه وسلم، فهل هذه هي فكرتنا اليوم في الدعوة ؟

وهل أمتنا اليوم تشعر بما كان يراه الرسول صلي الله عليه وسلم من وجوب إرسال الدعاة والمصلحين إلي الجماعات الإسلامية الناشئة أو المهددة بالأخطار واختيارهم علي أعلي مستوي ، ويذهبون حسبة لله تعالي .

وهل الدعاة اليوم يتخرجون في معاهدهم ويذهبون إلي مجاهل أفريقيا وغينيا الجديدة ودواخل بورينو وإلي جنوبي الفلبين حيث يقاتل الإسلام عن وجوده .. أو يسارعون في طلب الوظائف في بلاد الريال والدرهم والدينار ؟
وهل الدعوة إلي الإسلام هي أن تتحفلط في الخطب في حي الحسن أو السيدة زينب أو تحتسب أجرك عند الله وتتوكل عليه وتسير في آثار مصعب بن عمير ؟

ألا تري معي أيها القاريئ أننا أحسنا الصنع عندما عدنا بالقافلة إلي نقطة البداية لنسير من جديد ؟