14‏/05‏/2015

قواعد الأحكام في مصالح الأنام 22

قواعد الأحكام في مصالح الأنام 22





فإن قيل: القتل معصية من القاتل الكافر، فكيف يتمنى الإنسان الشهادة مع أن تسببها معصية؟ فالجواب أنه ما يتمنى القتل من جهة أنه قتل وإنما تمنى أن يثبت في القتال، فإن أتى القتل على نفسه فكان ثوابه على تعرضه للقتل لا على نفس القتل الذي ليس من كسبه، وعلى هذا يجعل قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ}، أي تمنون القتل في سبيل الله من قبل أن تلقوا أسبابه في يوم أحد، ويجوز أن يتمنى الإنسان القتل من جهة كونه سببا لنيل منازل الشهداء، لا من جهة كونه قتلا ومعصية، وقد كان عمر رضي الله عنه يقول: اللهم إني أسألك الشهادة في سبيلك، وموتا في بلد رسولك. وأما قتل أهل البغي فإنه خطأ من البغاة، ولا يثاب المقطوع على خطأ غيره، وكذا الثواب على دفع مفسدة البغي بالقتال.



فصل: فيما يثاب عليه من حسن الصفات و ما لا يثاب عليه
...
فصل: فيما يثاب عليه من حسن الصفات وما لا يثاب عليه
كل صفة جبلية لا كسب للمرء فيها، كحسن الصور، واعتدال القامات وحسن الأخلاق، والشجاعة والجود، والحياء والغيرة، والنخوة وشدة البطش، ونفوذ الحواس، ووفور العقول، فهذا لا ثواب عليه مع فضله وشرفه لأنه ليس بكسب لمن اتصف به، وإنما الثواب والعقاب على ثمراته المكتسبة، فمن أجاب هذه الصفات إلى ما دعت إليه الشريعة كان مثابا على إجابته جامعا لصفتين حسناوين إحداهما: جبلية، والأخرى كسبية، ومن لم يجب إلى ذلك كان وصفه حسنا وفعله قبيحا، وأما ما يصدر عن هذه الأوصاف من آثارها المكتسبة فإن لم يقصد بها وجه الله فلا ثواب عليها، وإن قصد بها الرياء والتسميع أثم بذلك، وإن قصد بها وجه الله تعالى أجر وفاز بخير الدارين ومدحهما.



لا تكليف بما يشق اجتنابه مشقة فادحة، ولا بما يطاق فعله ولا تركه. ومبدأ التكليف العزوم والقصود، فالعزم على الحسنات حسن، وعلى السيئات قبيح، وعلى المباح مأذون.


فكم من شرف عظيم لا ثواب عليه لأنه خير من الثواب فإن النظر إلى الله أشرف من كل شريف وأفضل من كل نعيم روحاني أو جثماني، وقد جعل زيادة على الأجور، لأنه أعظم من أن يقابل به عمل من الأعمال أو حال من الأحوال، وكذلك



فصل: فيما يثاب عليه المتناظران وما لا يثابان عليه
إن قيل: هل يثاب المتناظران على المناظرة أم لا؟ قلنا إن قصد كل واحد بمناظرته إرشاد خصمه إلى ما ظهر له من الحق فهما مأجوران على قصدهما وتناظرهما، لأنهما متسببان إلى إظهار الحق، وإن قصد كل واحد منهما أن يظهر على خصمه ويغلبه، سواء أكان الحق معه أو مع خصمه فهما آثمان، وإن قصد أحدهما الإرشاد وقصد الآخر العناد، أجر قاصد الإرشاد، وأثم قاصد العناد.



فصل: في تفضيل الحكام على المفتين و الأئمة على الحكام


وأجر الإمام الأعظم أفضل من أجر المفتي والحاكم، لأن ما يجلبه من المصالح ويدرأه من المفاسد أتم وأعم؛ وكذلك جاء في الحديث: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل"، فبدأ به لعلو مرتبته. وأجمع المسلمون على أن الولايات من أفضل الطاعات فإن الولاة المقسطين أعظم أجرا وأجل قدرا من غيرهم لكثرة ما يجري على أيديهم من إقامة الحق ودرء الباطل، فإن أحدهم يقول الكلمة الواحدة فيدفع بها مائة ألف مظلمة فما دونها، أو يجلب بها مائة ألف مصلحة فما دونها، فيا له من كلام يسير وأجر كبير

قال سيد المرسلين: "المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يدي ربي يمين" وعلى الجملة فالعادل من الأئمة والولاة والحكام أعظم أجرا من جميع الأنام بإجماع أهل الإسلام، 


0 التعليقات: