14‏/05‏/2015

قواعد الأحكام في مصالح الأنام 17

قواعد الأحكام في مصالح الأنام 17








المثال التاسع والعشرون: نكاح الأحرار الإماء مفسدة محرمة  لما فيه من تعريض الأولاد للإرقاق، لكنه جائز عند خوف العنت وفقد الطول، دفعا لمفسدة وقوع التائق في الزنا الموجب في الدنيا للعار وفي الآخرة لعذاب النار.
فإن قيل: كيف يحرم تحصيل مصلحة ناجزة محققة لتوقع مفسدة ممهلة؟ قلنا لما غلب وقوع هذه المفسدة جعل الشرع المتوقع كالواقع، فإن العلوق غالب كثير، والشرع قد يحتاط لما يكثر وقوعه احتياطه لما تحقق وقوعه.



المثال الحادي والثلاثون: التقرير على الأنكحة الفاسدة مفسدة إلا في تقرير الكفار على الأنكحة الفاسدة إذا أسلموا، فإنه واجب، لأنا لو أفسدناها لزهد الكفار في الإسلام خوفا من بطلان أنكحتهم فتقاعدوا عن الإسلام، والترغيب في الإسلام بتقريرهم على أنكحتهم أولى من التنفير من الإسلام بإفساد أنكحتهم، إذ لا مفسدة أقبح من تفويت الإسلام والسعي في تفويته. وكذلك لا يقتص منهم بمن قتلوه من المسلمين ولا يغرمون ما أتلفوا على المسلمين من الأموال؛ لأنا لو ألزمناهم ذلك لتقاعدوا عن الإسلام.




المثال الرابع والثلاثون: وجوب إجارة رسل الكفار مع كفرهم، لمصلحة ما يتعلق بالرسالة من المصالح الخاصة والعامة.
المثال الخامس والثلاثون: التقرير بالجزية، وهو مختص بأهل الكتابين لإيمانهم بالكتب السماوية التي يوافق أعظم أحكامها أحكام الإسلام فخف كفرهم لإيمانهم بتلك الأحكام، بخلاف من جحدها فإنه كذب الله سبحانه وتعالى في معظم أحكامه وكلامه، فكان كفره أغلظ، بخلاف من آمن بالأكثر وكفر بالأقل، ولا تؤخذ الجزية عوضا عن تقريرهم على الكفر، إذ ليس من إجلال الرب أن تؤخذ الأعواض على التقرير على سبه وشتمه ونسبته إلى ما لا يليق بعظمته، ومن ذهب إلى ذلك فقد أبعد، وإنما الجزية مأخوذة عوضا عن حقن دمائهم وصيانة أموالهم وحرمهم وأطفالهم، مع الذب عنهم إن كانوا في ديارنا، وليست مأخوذة عن سكنى دار الإسلام إذ يجوز عقد الذمة مع تقريرهم في ديارهم




المثال السادس والثلاثون: التقرير على المعاصي كلها مفسدة لكن يجوز التقرير عليها عند العجز عن إنكارها باليد واللسان، ومن قدر على إنكارها مع الخوف على نفسه كان إنكاره مندوبا إليه ومحثوثا عليه، لأن المخاطرة بالنفوس في إعزاز الدين مأمور بها كما يعذر بها في قتال المشركين، وقتال البغاة المتأولين، وقتال مانعي الحقوق بحيث لا يمكن تخليصها منهم إلا بالقتال وقد قال عليه السلام: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر". جعلها أفضل الجهاد لأن قائلها قد جاد بنفسه كل الجود، بخلاف من يلاقي قرنه من القتال، فإنه يجوز أن يقهره ويقتله فلا يكون بذله نفسه مع تجويز سلامتها، كبذل المنكر نفسه مع يأسه من السلامة.

المثال الثامن والثلاثون: قتل الكفار من النساء والمجانين والأطفال مفسدة، لكنه يجوز إذا تترس بهم الكفار بحيث لا يمكن دفعهم إلا بقتلهم.

المثال التاسع والثلاثون: قتل من لا ذنب له من المسلمين مفسدة إلا إذا تترس بهم الكفار وخيف من ذلك اصطلام المسلمين، ففي جواز قتلهم خلاف، لأن قتل عشرة من المسلمين أقل مفسدة من قتل جميع المسلمين.

المثال الأربعون: التولي يوم الزحف مفسدة كبيرة لكنه واجب إذا علم أنه يقتل من غير نكاية في الكفار، لأن التغرير بالنفوس إنما جاز لما فيه من مصلحة إعزاز الدين بالنكاية في المشركين، فإذا لم تحصل النكاية وجب الانهزام لما في الثبوت من فوات النفوس مع شفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام وقد صار الثبوت ههنا مفسدة محضة ليس في طيها مصلحة.


 


0 التعليقات: