14‏/05‏/2015

قواعد الأحكام في مصالح الأنام 19


قواعد الأحكام في مصالح الأنام 19



المثال الثاني والستون: الحبس وهو مفسدة في حق المحبوس، لكنه جاز لمصالح ترجح على مفسدته وهي أنواع: منها حبس الجاني عند غيبة المستحق حفظا لمحل القصاص، ومنها حبس الممتنع من دفع الحق إلى مستحقه إلجاء إليه وحملا عليه، ومنها حبس التعزير ردعا عن المعاصي، ومنها حبس كل ممتنع من تصرف واجب لا تدخله النيابة: كحبس من أسلم على أختين وامتنع من تعيين إحداهما، والمقر بأحد عينين وامتنع من تعيينها دفعا لمفسدة المبطل بالحق، ومنها حبس من امتنع من أداء حقوق الله التي لا تدخلها النيابة كالممتنع من صيام رمضان.








الحال الرابعة: إن ثبت عسره فلا يجوز حبسه حتى يثبت يساره، لأن الأصل بقاء عسرته، وأنه إن اكتسب شيئا صرفه في نفقته ونفقة من يلزمه نفقته.
فإن قيل: تخلدون مجهول الحال في الحبس إلى أن يموت؟ قلنا المختار أنه لا يخلد ويجب على الحاكم أن يبعث عدلين يسألان عن أمره في اليسار والإعسار، فإذا غلب على ظنهما فقره شهدا بذلك ووجب إطلاقه؛ إذ لا يليق بالشريعة السهلة السمحة أن يخلد المسلم في الحبس بظن ضعيف، وإنما يخلد في الحبس من ظهر عناده وإصراره على الباطل إلى أن يفيء إلى الحق. وأما المحبوس على القصاص فإنه يخلد في الحبس إلى أن يموت؛ حفظا لحق مستحق القصاص إلى أن يقدم الغائب أو يبلغ الصبي، إذ لا مندوحة عن ذلك إلا بحبسه الذي هو أخف عليه من قتله أو قطع يده.

المثال الثالث والستون: من أمثلة الأفعال المشتملة على المصالح والمفاسد مع رجحان مصالحها على مفاسدها:
قتال البغاة دفعا لمفسدة البغي والمخالفة، ولا يشترط في درء المفاسد أن يكون ملابسها أو المتسبب إليها عاصيا. وكذلك لا يشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون المأمور والمنهي عاصيين، بل يشترط فيه أن يكون أحدهما ملابسا لمفسدة واجبة الدفع، والآخر تاركا لمصلحة واجبة التحصيل. ولذلك أمثلة: أحدها أمر الجاهل بمعروف لا يعرف إيجابه.

المثال الثاني: نهيه عن منكر لا يعرف تحريمه.
المثال الثالث: قتال أهل البغي، مع أنه لا إثم عليهم في بغيهم لتأويلهم.
المثال الرابع: ضرب الصبيان على ترك الصلاة والصيام، وغير ذلك من المصالح.

فإن قيل: إذا كان الصبي لا يصلحه إلا الضرب المبرح فهل يجوز ضربه تحصيلا لمصلحة تأديبه؟ قلنا لا يجوز ذلك، بل يجوز أن يضربه ضربا غير مبرح؛ لأن الضرب الذي لا يبرح مفسدة، وإنما جاز لكونه وسيلة إلى مصلحة التأديب، فإذا لم يحصل التأديب سقط الضرب الخفيف، كما يسقط الضرب الشديد؛ لأن الوسائل تسقط بسقوط المقاصد.


0 التعليقات: