قواعد الأحكام في مصالح الأنام 21
فصل: في اختلاف الآثام باختلاف المفاسد
يختلف إثم المفاسد باختلافها في الصغر والكبر، وباختلاف ما تفوته من المنافع والمصالح، فيختلف الإثم في قطع الأعضاء وقتل النفوس وإزالة منافع الأعضاء باختلاف المنافع، فليس إثم من قطع الخنصر والبنصر من الرجل كإثم من قطع الخنصر والبنصر من اليد، لما فوته من منافعها الدينية والدنيوية، وسواء قطع ذلك من نفسه أو من غيره، وليس الإثم في قطع الأذن كالإثم في قطع اللسان، لما سنذكره من منافع اللسان إن شاء الله تعالى، وليس من قتل فاسقا ظالما من فساق المسلمين بمثابة من قتل إماما عدلا، أو حاكما مقسطا، أو وليا منصفا، لما فوته على المسلمين من العدل والإنصاف.
وعلى هذا حمل بعضهم قوله تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} لما عمت المفسدة في قتل نفس جعل إثمها كإثم من قتل الناس جميعا لما فوته على الناس من مصالح ولما عمت المفسدة في إنقاذ ولاة العدل والإقساط والإنصاف من المهالك، جعل أجر منقذها كأجر منقذ الناس من أسباب الهلاك جميعا لعموم ما سعى فيه من المصالح، وكذلك جناية الإنسان على أعضاء نفسه يتفاوت إثمها بتفاوت منافع ما جنى عليه، وبتفاوت ما فوته على الناس من عدله
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" ، ومعناه انقطع أجر عمله أو ثواب عمله فهذا على وفق القاعدة لأن هذه المستثنيات من كسبه.
وقد
استثنى في سقوط الوسائل بسقوط المقاصد، أن الناسك الذي لا شعر على رأسه مأمور
بإمرار الموسى على رأسه، مع أن إمرار الموسى على رأسه وسيلة إلى إزالة الشعر فيما
ظهر لنا، فإن ثبت أن الإمرار مقصود في نفسه لا لكونه وسيلة، كان هذا من قاعدة من
أمر بأمرين فقدر على أحدهما وعجز عن الآخر.
فصل: في اختلاف الآثام باختلاف المفاسد
يختلف إثم المفاسد باختلافها في الصغر والكبر، وباختلاف ما تفوته من المنافع والمصالح، فيختلف الإثم في قطع الأعضاء وقتل النفوس وإزالة منافع الأعضاء باختلاف المنافع، فليس إثم من قطع الخنصر والبنصر من الرجل كإثم من قطع الخنصر والبنصر من اليد، لما فوته من منافعها الدينية والدنيوية، وسواء قطع ذلك من نفسه أو من غيره، وليس الإثم في قطع الأذن كالإثم في قطع اللسان، لما سنذكره من منافع اللسان إن شاء الله تعالى، وليس من قتل فاسقا ظالما من فساق المسلمين بمثابة من قتل إماما عدلا، أو حاكما مقسطا، أو وليا منصفا، لما فوته على المسلمين من العدل والإنصاف.
وعلى هذا حمل بعضهم قوله تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} لما عمت المفسدة في قتل نفس جعل إثمها كإثم من قتل الناس جميعا لما فوته على الناس من مصالح ولما عمت المفسدة في إنقاذ ولاة العدل والإقساط والإنصاف من المهالك، جعل أجر منقذها كأجر منقذ الناس من أسباب الهلاك جميعا لعموم ما سعى فيه من المصالح، وكذلك جناية الإنسان على أعضاء نفسه يتفاوت إثمها بتفاوت منافع ما جنى عليه، وبتفاوت ما فوته على الناس من عدله
وإقساطه
وبره وإنصافه ونصرته للدين، وليس لأحد أن يتلف ذلك من نفسه، لأن الحق في ذلك كله
مشترك بينه وبين ربه، وليس قطع العالم أو الحاكم أو المفتي أو الإمام الأعظم لسان
نفسه كقطع من لا ينتفع بلسانه. وكذلك قطع البطل الشديد النكاية في الجهاد يد نفسه
أو رجل نفسه أعظم من قطع الضعيف الذي لا أثر له في الجهاد يد نفسه أو رجل نفسه،
ولا يلزم من تساوي الأعضاء في الأبدال تساوي تفويتها في الآثام.
وكذلك فقء العينين
أشد إثما من صلم الأذنين، وكذلك قطع الرجلين أعظم وزرا من قطع أصابعهما، وكذلك قطع
الإبهام والسبابة من إحدى اليدين أعظم وزرا من قطع الخنصر والبنصر منهما. والمدار
في هذا كله على رتب تفويت المصالح وتحقيق المفاسد. فكل عضو كانت منفعته أتم كانت
الجناية عليه أعظم وزرا، فليست الجناية على العقل واللسان كالجناية على الخناصر
والآذان.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" ، ومعناه انقطع أجر عمله أو ثواب عمله فهذا على وفق القاعدة لأن هذه المستثنيات من كسبه.
وقد ظن بعض الجهلة أن المصاب مأجور على مصيبته، وهذا خطأ صريح فإن المصائب
ليست من كسبه بمباشرة ولا تسبب، فمن قتل ولده أو غصب ماله أو أصيب ببلاء في جسده،
فليست هذه المصائب من كسبه ولا تسببه حتى يؤجر عليها، بل إن صبر عليها كان له أجر
الصابرين وإن رضي بها كان له أجر الراضين ولا يؤجر على نفس المصيبة، لأنها ليست من
عمله، فقد قال تعالى: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، كيف والمصائب
الدنيوية عقوبات على الذنوب، والعقوبة ليست ثوابا، ويدل على ذلك قوله تعالى:
{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}، وقوله عليه
السلام: "ما من مؤمن يشاك شوكة فما دونها إلا قص به من سيئاته"، وقوله
صلى الله عليه وسلم: "لا يصيب المؤمن من وصب ولا نصب حتى الهم يهمه والشوكة
يشاكها إلا كفر به من سيئاته". فيحمل قوله عليه السلام: "من عزى مصابا
فله مثل أجره"، على تقدير فله مثل أجر صبره.
0 التعليقات:
إرسال تعليق