02‏/05‏/2015

قواعد الأحكام في مصالح الأنام 4

قواعد الأحكام في مصالح الأنام 4



فصل: في إتيان المفاسد ظنا أنها من المصالح

من أتى ما هو مصلحة في ظنه وهو مفسدة في نفس الأمر كمن أكل مالا يعتقده لنفسه، أو وطئ جاريته يظن أنها في ملكه، أو لبس ثوبا يعتقده لنفسه، أو سكن دارا يعتقدها في ملكه، أو استخدم عبدا يعتقده لنفسه، ثم بان أن وكيله أخرج ذلك عن ملكه فلا إثم عليه لظنه، ولا يتصف فعله بكونه طاعة ولا معصية ولا مباحا، وإنما هو معفو عنه كأفعال الصبيان والمجانين، ويلزم ضمان ما فوته من ذلك لأنه جائز، والجوائز لا تتوقف على المآثم. وكذلك لو وطئ أجنبية يعتقدها زوجته أو أمته فإنه لا يأثم ويلزمه مهر مثلها.

فصل: فيمن فعل ما يظنه قربة أو واجبا و هو مفسدة في نفس الأمر

من فعل فعلا يظنه قربة أو مباحا وهو من المفاسد المحرمة في نفس الأمر؛ كالحاكم إذا حكم بما يظنه حقا بناء على الحجج الشرعية، وكالمصلي يصلي على ظن أنه متطهر، أو كمن يصلي على مرتد يعتقده مسلما، وكالشاهد يشهد بحق عرفه بناء على استصحاب بقائه فظهر كذب الظن في ذلك كله، فهذا خطأ معفو عنه كالذي قبله، ولكن يثاب فاعله على قصده دون فعله، إلا من صلى محدثا فإنه يثاب على قصده وعلى ما أتى به في صلاته مما لا تشترط الطهارة فيه.

فصل: في بيان تقسيم المصالح و المفاسد

المصالح والمفاسد أقسام:
 أحدها: ما تعرفه الأذكياء والأغبياء
الثاني ما يختص بمعرفته الأذكياء،
الثالث ما يختص بمعرفته الأولياء، لأن الله تعالى ضمن لمن جاهد في سبيله أن يهديه إلى سبيله فقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}، ولأن الأولياء يهتمون بمعرفة أحكامه وشرعه فيكون بحثهم عنه أتم واجتهادهم فيه أكمل، 

قد يؤجر على أحد العملين المتماثلين ما لا يؤجر على نظيره،

الثواب ليس على قدر النصب قوله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وستون شعبة أفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"، وهو من المصالح العامة لكل مجتاز بالطريق بإزالة الشوك والأحجار والأقذار مع مشقة ذلك وخفة النطق بكلمة الإيمان


الأبدال والمبدل منه 
قيل يستويان في براءة الذمة ولا يستويان في الأجر وهكذا الأبدال كلها لا تساوي مبدلاتها

ما تقولون في من سد جوعة مسكين في عشرة أيام؟ هل يساوي أجره أجر من سد جوعة عشرة مساكين، مع أن الفرض سد عشر جوعات، والكل عباد الله، والفرض الإحسان إليهم، فأي فرق بين تحصيل هذه المصالح في محل واحد أو في محال متعددة؟ قلنا لا يستويان لأن الجماعة يمكن أن يكون فيهم ولي لله أو أولياء له فيكون إطعامهم أفضل من تكرير إطعام واحد.
وقد حث الرب سبحانه وتعالى على الإحسان إلى الصالحين بقوله: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}، ومثل هذا لا يتحقق في واحد بعينه

........ أوجب الشافعي رضي الله عنه صرف الزكاة إلى الأصناف، لما فيه من دفع أنواع من المفاسد وجلب أنواع من المصالح، فإن دفع الفقر والمسكنة نوع مخالف لدفع الرق عن المكاتبين، والغرم عن الغارمين، والغربة والانقطاع عن أبناء السبيل.
وكذلك التأليف على الدين عند من يرى أن سهم المؤلفة باق، وكذلك إعانة المجاهدين على الجهاد الذي هو تلو الإيمان برب العالمين.

فإن قيل: قد يترتب الشرع على الفعل اليسير مثل ما يترتب على الفعل الخطير، كما رتب غفران الذنوب على الحج المبرور، ورتب مثل ذلك على موافقة تأمين المصلي تأمين الملائكة، ورتب غفران الذنوب على قيام ليلة القدر، كما رتبه على قيام جميع رمضان، فالجواب أن هذه الطاعات وإن تساوت في التكفير فلا تساوي بينها في الأجور؛ فإن الله سبحانه وتعالى رتب على الحسنات رفع الدرجات وتكفير السيئات، ولا يلزم من التساوي في تكفير السيئات التساوي في رفع الدرجات، وكلامنا في جملة ما يترتب على الفعل من جلب المصالح ودرء المفاسد، وذلك مختلف فيه باختلاف الأعمال. فمن الأعمال ما يكون شريفا بنفسه وفيما رتب عليه من جلب المصالح ودرء المفاسد، فيكون القليل منه أفضل من الكثير من غيره، والخفيف منه أفضل من الشاق من غيره، ولا يكون الثواب على قدر النصب في مثل هذا الباب كما ظن بعض الجهلة، بل ثوابه على قدر خطره في نفسه، 

0 التعليقات: