04‏/05‏/2015

قواعد الأحكام في مصالح الأنام 10

قواعد الأحكام في مصالح الأنام 10



المثال الحادي عشر: إذا ضاق عن الجمع بين الأذان والإقامة والراتبة والفريضة بحيث لا يتسع إلا للفريضة، فإنا نقدم الفريضة لكمال مصلحة أدائها على مصلحة الأذان والإقامة والسنة الراتبة، وإن كانت الرواتب والفرائض قابلة للقضاء، فإن فضيلة أداء الفرائض أتم من فضيلة أداء النوافل، فقدمنا أفضل الأداءين على الآخر، وهذا من باب الجمع بين المصلحتين.
المثال الثاني عشر: إذا ضاق على المحرم وقت عشاء الآخرة بحيث لا يتسع إلا لأربع ركعات لو اشتغل بها لفاته إتيان عرفة، فقد قيل يدع الصلاة ويذهب إلى عرفة لأن أداء فرض الحج أفضل من أداء فرض الصلاة إذ جعله صلى الله عليه وسلم تلو الجهاد وجعل الجهاد تلو الإيمان، وقيل يشتغل بأداء الصلاة، لأن أداء الصلاة أفضل من أداء الحج لقوله عليه السلام: "واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة"، والأصح أنه يجمع بين المصلحتين فيصلي صلاة الخوف وهو ذاهب إلى عرفة، فيكون جامعا بين المصلحتين على حسب الإمكان، لأن مشقة فوات الحج عظيمة، فإذا جاز أن يصلي صلاة الخوف لأجل حفظ مال يسير، فجوازه لحفظ أداء الحج أولى


المثال الثالث عشر:
تقديم الكفارات على التطوعات.


المثال الرابع عشر: النفقات التي ليست من العبادات المفتقرات إلى النيات، فيقدم المرء نفسه على نفقة آبائه وأولاده وزوجاته، ويقدم نفقة زوجاته على نفقة آبائه وأولاده، لأنها من تتمة حاجاته، وتقدم نفقة القريب على نفقة الرقيق في بعض الصور لأنها صدقة وصلة


ولذلك جاز بيع الحيوان حفظا لروح الإنسان وإن ملك حيوانا يؤكل وحيوانا لا يؤكل ولم يجد إلا نفقة أحدهما وتعذر بيعهما احتمل أن يقدم نفقة ما لا يؤكل على نفقة ما يؤكل ويذبح المأكول، واحتمل أن يسوي بينهما، فإن كان المأكول يساوي ألفا وغير المأكول يساوي درهما، ففي هذا نظر واحتمال.

المثال الخامس عشر: إذا اجتمع مضطران فإن كان معه ما يدفع ضرورتهما لزمه الجمع بين الضرورتين تحصيلا للمصلحتين، وإن وجد ما يكفي ضرورة أحدهما، فإن تساويا في الضرورة والقرابة والجوار والصلاح احتمل أن يتخير بينهما، واحتمل أن يقسمه عليهما، وإن كان أحدهما أولى، مثل أن يكون والدا أو والدة، أو قريبا أو زوجة، أو وليا من أولياء الله تعالى، أو إماما مقسطا أو حاكما عدلا، قدم الفاضل على المفضول، لما في ذلك من المصالح الظاهرة،


وكذلك لو كان له ولدان لا يقدر إلا على قوت أحدهما فإنه يفضه عليهما تسوية بينهما، فإن قيل إذا كان نصف الرغيف شبعا لأحد ولديه سادا لنصف جوعة الآخر فكيف يفضه عليهما؟ قلت يفضه عليهما بحيث يسد من جوعة أحدهما ما يسد من جوعة الآخر، فإذا كان ثلث الرغيف سادا لنصف جوعة أحدهما، وثلثاه سادا لنصف جوعة الآخر فليوزعه عليهما كذلك، لأن هذا هو الإنصاف

فإن قيل لم قسم مال المصالح على الحاجات دون الفضائل؟ قلنا ذهب عمر رضي الله عنه إلى قسمته على الفضائل ترغيبا للناس في الفضائل الدينية، وخالفه أبو بكر رضي الله عنه في ذلك لما التمس منه تفضيل السابقين على اللاحقين فقال: إنما أسلموا لله وأجرهم على الله وإنما الدنيا بلاغ. ومعنى هذا أني لا أعطيهم على إسلامهم وفضائلهم التي يتقربون بها إلى الله شيئا من الدنيا، لأنهم فعلوها لله، وقد ضمن الله لهم أجرها في الآخرة، وإنما الدنيا بلاغ ودفع للحاجات، فأضع الدنيا حيث وضعها الله من دفع الحاجات وسد الخلات، والآخرة موضوعة للجزاء على الفضائل فأضعها حيث وضعها الله، ولا أعطي أحدا على سعيها شيئا من متاع الدنيا، وبذلك قال الشافعي رحمه الله. فإن قيل فهلا قسمت الغنائم كذلك إذا كان الفارس لا عيال له والراجل له عيال كثير؟ قلنا لما حصل ذلك بكسب الغانمين وسعيهم فضلوا على قدر عنائهم فيه
ولا شك أن عناء الفرسان في القتال أكمل من عناء الرجالة


0 التعليقات: