قواعد الأحكام في مصالح الأنام 7
فصل: في انقسام المفاسد إلى العاجل و الآجل
إن قيل: قد ذهب مالك رحمه الله إلى تفضيل المدينة على مكة، فما الدليل على تفضيل مكة عليها؟ قلنا معنى ذلك أن الله يجود على عباده في مكة بما لا يجود بمثله في المدينة، وذلك من وجوه: أحدها: وجوب قصدها للحج والعمرة وهذان واجبان لا يقع مثلهما في المدينة، فالإثابة عليهما إثابة على واجب، ولا يجب قصد المدينة بل قصدها بعد موت الرسول عليه السلام بسبب زيارته سنة غير واجبة.
المفاسد ثلاثة أقسام -
أحدها: ما يجب درؤه فإن عظمت مفسدته وجب درؤه في كل
شريعة وذلك كالكفر والقتل والزنا والغصب وإفساد العقول.
القسم الثاني: ما تختلف
فيه الشرائع فيحظر في شرع ويباح في آخر تشديدا على من حرم عليه، وتخفيفا على من
أبيح له،
الثالث: ما تدرؤه الشرائع كراهية له.
ثم المفاسد ثلاثة أضرب:
أحدها
أخروية وهي متوقعة الحصول لا يقطع بتحققها لأنها قد تسقط بالتوبة أو العفو أو
الشفاعة أو الموازنة.
الضرب الثاني: دنيوية وهي قسمان:
أحدهما: ناجز الحصول كالكفر
والجهل الواجب الإزالة، وكالجوع والظمأ والعري وضرر الصيال والقتال.
القسم الثاني:
متوقع الحصول كقتال من يقصدنا من الكفار والبغاة وأهل الصيال.
الضرب الثالث: ما
يكون له مفسدتان: إحداهما عاجلة والأخرى آجلة، كالكفر، فالعاجلة ناجزة الحصول
والآجلة متوقعة الحصول. وأما ما يكون مفسدته عاجلة ومصلحته آجلة فكالصيال على
الدماء والأبضاع والأموال، فإن درء مفسدته عاجل حاصل لمن درئت عنه، ومصلحة درئه آجلة
لمن درأه.
فصل: في تفاوت الأعمال مع تساويها باختلاف الأماكن و الأزمان
اعلم أن الأماكن والأزمان كلها متساوية، ويفضلان بما يقع فيهما لا بصفات قائمة
بهما، ويرجع تفضيلهما إلى ما ينيل الله العباد فيهما من فضله وكرمه
فصل: في تفضيل مكة على المدينة
إن قيل: قد ذهب مالك رحمه الله إلى تفضيل المدينة على مكة، فما الدليل على تفضيل مكة عليها؟ قلنا معنى ذلك أن الله يجود على عباده في مكة بما لا يجود بمثله في المدينة، وذلك من وجوه: أحدها: وجوب قصدها للحج والعمرة وهذان واجبان لا يقع مثلهما في المدينة، فالإثابة عليهما إثابة على واجب، ولا يجب قصد المدينة بل قصدها بعد موت الرسول عليه السلام بسبب زيارته سنة غير واجبة.
وكل فعل نسخ إيجابه إلى غيره كان كل واحد منهما في زمانه أفضل من الآخر أو
مثله لقوله: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}، وكونه أفضل في زمانه وجه،
لا يدل على فضله على ما هو أفضل من وجوه شتى.
وقد أثنى الله على البيت في كتابه بما لم يثن على المدينة فقال: {إِنَّ
أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ}،
وكيف لا نعتقد أن مكانا أوجب الله إتيانه على كل مستطيع أفضل من مكان لا يجب إتيانه، ومن شرف مكة أن الصلاة لا تكره فيها في الأوقات المكروهات لما روى
جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا
أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار". أخرجه أبو داود
والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي حديث حسن صحيح.
الأماكن والأزمان يوصفان بصفة ما يقع فيهما قوله تعالى: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً} وقوله
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً} فوصفهما بصفة أهلهما. وكذلك
قوله سبحانه: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي
حَرَّمَهَا} وصفها بالتحريم الواقع فيها وهو تحريم صيدها، وعضد شجرها واختلاء
خلائها، وتحريم التقاط لقطتها إلا لمنشد. وكذلك وصف سبحانه وتعالى الأشهر
بالتحريم. في قوله: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}. وفي قوله. {الشَّهْرُ الْحَرَامُ
بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ}. وقالت العرب. يوم بارد وليل نائم، ونهار صائم، ومنه قول
جرير: ونمت وما ليل المطي بنائم
0 التعليقات:
إرسال تعليق