قواعد الأحكام في مصالح الأنام 9
فصل: في اجتماع المصالح المجردة عن المفاسد
إذا اجتمعت المصالح الأخروية الخالصة، فإن أمكن تحصيلها حصلناها، وإن تعذر تحصيلها حصلنا الأصلح فالأصلح والأفضل فالأفضل، لقوله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} . وقوله: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}، وقوله: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَ}،
المثال الثاني: الصيام لو وجب في ابتداء الإسلام لنفروا من الدخول في الإسلام
المثال الثالث: تأخير وجوب الزكاة إلى ما بعد الهجرة لأنها لو وجبت في الابتداء لكان إيجابها أشد تنفيرا لغلبة الضنة بالأموال.
المثال الرابع: الجهاد لو وجب في الابتداء لأباد الكفرة أهل الإسلام؛ لقلة المؤمنين وكثرة الكافرين.
المثال السادس: القصر على أربع نسوة، لو ثبت في ابتداء الإسلام لنفرت الكفار من الدخول فيه، وكذلك القصر على ثلاث طلقات؛ فتأخرت هذه الواجبات تأليفا على الإسلام الذي هو أفضل من كل واجب، ومصلحته تربو على جميع المصالح. ولمثل هذا قر الشرع من أسلم منهم على الأنكحة المعقودة على خلاف شرائط الإسلام، وكذلك أسقط عن المجانين ما يتلفونه من أنفس المؤمنين وأموالهم لأنه لو ألزمهم بذلك لنفروا من الدخول في الإسلام. وكذلك بني على الإسلام غفران جميع الذنوب لأن عهدها لو بقيت بعد الإسلام لنفروا، وكذلك قال جماعة قد زنوا فأكثروا من الزنا ومن غيره من الكبائر لرسول الله صلى الله عليه وسلم. إن ما تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة؟ فأنزل الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآية، وقال في
غيرهم: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}، وإنما أمرهم في ابتداء الإسلام بإفشاء السلام. وإطعام الطعام، وصلة الأرحام، والصدق والعفاف، لأن ذلك كان ملائما لطباعهم حاثا على الدخول في الإسلام، وكذلك ألف صلى الله عليه وسلم جماعة على الإسلام بما دفعه لهم من الأموال، وامتنع من قتل جماعة من المنافقين قد عرف بنفاقهم خوفا أن يتحدث الناس بأنه أخذ في قتل أصحابه فينفروا من الدخول في الإسلام، فهذه كلها مصالح أخرت، لما في تقديمها من المفاسد المذكورة.
المثال الثاني من تقديم الفاضل على المفضول: تقديم بعض الفرائض على بعض، كتقديم الصلاة الوسطى على سائر الصلوات.
المثال الثالث: تقديم كل فريضة على نوعها من النوافل كتقديم فرائض الطهارات على نوافلها، وفرائض الصلوات على نوافلها، وفرائض الصدقات على نوافلها، وتقديم فرائض الصيام على نوافله، وكتقديم فرض الحج والعمرة على نوافلهما، مع أنهما لا يقعان إلا واجبين، لأنهما يجبان بالشروع، ولكن ليس ما أوجبه الإنسان على نفسه في رتبة ما أوجبه الله عليه، ويدل على تقديم المفروضات على نوعها من المندوبات ما ذكرناه من الكتاب، وقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه عز وجل أنه قال: "ولن يتقرب إلي عبد بمثل أداء ما افترضت عليه".
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ فقال: "بر الوالدين"، وسئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: "الصلاة لأول وقتها", وسئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: "حج مبرور"، وهذا جواب لسؤال السائل فيختص بما يليق بالسائل من الأعمال، لأنهم ما كانوا يسألون عن الأفضل إلا ليتقربوا به إلى ذي الجلال، فكأن السائل قال: أي الأعمال أفضل لي؟ فقال: "بر الوالدين" لمن له والدان يشتغل ببرهما، وقال لمن يقدر على الجهاد لما سأله عن أفضل الأعمال بالنسبة إليه: "الجهاد في سبيل الله"، وقال لمن يعجز عن الحج والجهاد: "الصلاة على أول وقتها" ، ويجب التنزيل على مثل هذا لئلا يتناقض الكلام في التفضيل.
المثال التاسع: تقديم صلاة الجنازة على صلاة العيدين والكسوفين وإن خيف فواتهما لتأكد تعجيلها، وتقدم على الجمعة إن اتسع وقت الجمعة، فإن خفنا تغير الميت قدمناه على الجمعة وإن فاتت الجمعة، لأن حرمته آكد من أداء الجمعة، وهذا من باب تقديم حق العبد والرب على محض حق العبد، مع أن الجمع بين المصلحتين ممكن بأن يدفن الميت ثم تقضى الصلاة.
ولو قدمنا الجمعة لسقطت حرمة الميت لا إلى بدل، وإن لم يخف تغير الميت فقولان، ولو اجتمعت الجمعة مع الكسوف خطب للجمعة وذكر فيها الكسوف، فإن قدمنا الكسوف على العيد صلى الكسوف وعقبه بالعيد، لأن صلاة العيد أهم من الخطبتين، ثم خطب خطبتين للعيد والكسوف.
المثال العاشر: إذا ضاق وقت الفريضة بحيث لا يتسع لغيرها، فذكر صلاة نسيها قبل الشروع في الصلاة المؤداة أو في أثنائها فليؤد الأداء ويقضي الفائتة بعد خروج الوقت، لأنه لو قدم المقضية على المؤداة لفاتت رتبة الأداء في الصلاتين جميعا فتفوت مصلحة الأداء في الصلاتين، ولا شك أن تحصيل المصلحة في إحدى الصلاتين أولى من تفويتها في الصلاتين، ولا يتم قول المخالف ما لم يبين أن فضيلة
إذا اجتمعت المصالح الأخروية الخالصة، فإن أمكن تحصيلها حصلناها، وإن تعذر تحصيلها حصلنا الأصلح فالأصلح والأفضل فالأفضل، لقوله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} . وقوله: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}، وقوله: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَ}،
المثال الثاني: الصيام لو وجب في ابتداء الإسلام لنفروا من الدخول في الإسلام
المثال الثالث: تأخير وجوب الزكاة إلى ما بعد الهجرة لأنها لو وجبت في الابتداء لكان إيجابها أشد تنفيرا لغلبة الضنة بالأموال.
المثال الرابع: الجهاد لو وجب في الابتداء لأباد الكفرة أهل الإسلام؛ لقلة المؤمنين وكثرة الكافرين.
المثال السادس: القصر على أربع نسوة، لو ثبت في ابتداء الإسلام لنفرت الكفار من الدخول فيه، وكذلك القصر على ثلاث طلقات؛ فتأخرت هذه الواجبات تأليفا على الإسلام الذي هو أفضل من كل واجب، ومصلحته تربو على جميع المصالح. ولمثل هذا قر الشرع من أسلم منهم على الأنكحة المعقودة على خلاف شرائط الإسلام، وكذلك أسقط عن المجانين ما يتلفونه من أنفس المؤمنين وأموالهم لأنه لو ألزمهم بذلك لنفروا من الدخول في الإسلام. وكذلك بني على الإسلام غفران جميع الذنوب لأن عهدها لو بقيت بعد الإسلام لنفروا، وكذلك قال جماعة قد زنوا فأكثروا من الزنا ومن غيره من الكبائر لرسول الله صلى الله عليه وسلم. إن ما تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة؟ فأنزل الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآية، وقال في
غيرهم: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}، وإنما أمرهم في ابتداء الإسلام بإفشاء السلام. وإطعام الطعام، وصلة الأرحام، والصدق والعفاف، لأن ذلك كان ملائما لطباعهم حاثا على الدخول في الإسلام، وكذلك ألف صلى الله عليه وسلم جماعة على الإسلام بما دفعه لهم من الأموال، وامتنع من قتل جماعة من المنافقين قد عرف بنفاقهم خوفا أن يتحدث الناس بأنه أخذ في قتل أصحابه فينفروا من الدخول في الإسلام، فهذه كلها مصالح أخرت، لما في تقديمها من المفاسد المذكورة.
المثال الثاني من تقديم الفاضل على المفضول: تقديم بعض الفرائض على بعض، كتقديم الصلاة الوسطى على سائر الصلوات.
المثال الثالث: تقديم كل فريضة على نوعها من النوافل كتقديم فرائض الطهارات على نوافلها، وفرائض الصلوات على نوافلها، وفرائض الصدقات على نوافلها، وتقديم فرائض الصيام على نوافله، وكتقديم فرض الحج والعمرة على نوافلهما، مع أنهما لا يقعان إلا واجبين، لأنهما يجبان بالشروع، ولكن ليس ما أوجبه الإنسان على نفسه في رتبة ما أوجبه الله عليه، ويدل على تقديم المفروضات على نوعها من المندوبات ما ذكرناه من الكتاب، وقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه عز وجل أنه قال: "ولن يتقرب إلي عبد بمثل أداء ما افترضت عليه".
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ فقال: "بر الوالدين"، وسئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: "الصلاة لأول وقتها", وسئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: "حج مبرور"، وهذا جواب لسؤال السائل فيختص بما يليق بالسائل من الأعمال، لأنهم ما كانوا يسألون عن الأفضل إلا ليتقربوا به إلى ذي الجلال، فكأن السائل قال: أي الأعمال أفضل لي؟ فقال: "بر الوالدين" لمن له والدان يشتغل ببرهما، وقال لمن يقدر على الجهاد لما سأله عن أفضل الأعمال بالنسبة إليه: "الجهاد في سبيل الله"، وقال لمن يعجز عن الحج والجهاد: "الصلاة على أول وقتها" ، ويجب التنزيل على مثل هذا لئلا يتناقض الكلام في التفضيل.
المثال الخامس: تقديم المبدلات على أبدالها؛ كتقديم الاستنجاء
بالماء على الاستجمار بالأحجار، وكتقديم الطهارة بالماء
على الطهارة بالتراب، وكتقديم العتق في كفارة القتل والظهار وإفساد الصيام على صوم
شهرين متتابعين؛ فإن مصلحة البدل قاصرة عن مصلحة المبدل منه.
المثال السادس: تقديم ما شرع فيه الجماعة من الصلوات على ما لم تشرع فيه، إذا كان مخصوصا بأوقات كالعيدين والكسوفين، لأنها أشبهت الفرائض في وصفين: أحدهما: شرعية الجماعات. والثاني: تقدير الأوقات.
المثال السابع: تقديم بعض الرواتب على بعض؛ كتقديم الوتر وسنة الفجر على سائر الرواتب، وهل يقدم الوتر على سنة الفجر أو بالعكس؟ فيه اختلاف، والأصح تقديم الوتر.
المثال السادس: تقديم ما شرع فيه الجماعة من الصلوات على ما لم تشرع فيه، إذا كان مخصوصا بأوقات كالعيدين والكسوفين، لأنها أشبهت الفرائض في وصفين: أحدهما: شرعية الجماعات. والثاني: تقدير الأوقات.
المثال السابع: تقديم بعض الرواتب على بعض؛ كتقديم الوتر وسنة الفجر على سائر الرواتب، وهل يقدم الوتر على سنة الفجر أو بالعكس؟ فيه اختلاف، والأصح تقديم الوتر.
المثال الثامن: تقديم إنقاذ الغرقى المعصومين على أداء
الصلوات، لأن إنقاذ الغرقى المعصومين عند الله أفضل من أداء الصلاة، والجمع
بين المصلحتين ممكن بأن ينقذ الغريق ثم يقضي الصلاة، ومعلوم أن ما فاته من مصلحة
أداء الصلاة لا يقارب إنقاذ نفس مسلمة من الهلاك. وكذلك
لو رأى الصائم في رمضان غريقا لا يتمكن من إنقاذه إلا بالفطر، أو رأى مصولا عليه
لا يمكن تخليصه إلا بالتقوي بالفطر، فإنه يفطر وينقذه، وهذا أيضا من باب الجمع بين
المصالح، لأن في النفوس حقا لله عز وجل وحقا لصاحب النفس، فقدم ذلك على فوات أداء
الصوم دون أصله.
المثال التاسع: تقديم صلاة الجنازة على صلاة العيدين والكسوفين وإن خيف فواتهما لتأكد تعجيلها، وتقدم على الجمعة إن اتسع وقت الجمعة، فإن خفنا تغير الميت قدمناه على الجمعة وإن فاتت الجمعة، لأن حرمته آكد من أداء الجمعة، وهذا من باب تقديم حق العبد والرب على محض حق العبد، مع أن الجمع بين المصلحتين ممكن بأن يدفن الميت ثم تقضى الصلاة.
ولو قدمنا الجمعة لسقطت حرمة الميت لا إلى بدل، وإن لم يخف تغير الميت فقولان، ولو اجتمعت الجمعة مع الكسوف خطب للجمعة وذكر فيها الكسوف، فإن قدمنا الكسوف على العيد صلى الكسوف وعقبه بالعيد، لأن صلاة العيد أهم من الخطبتين، ثم خطب خطبتين للعيد والكسوف.
المثال العاشر: إذا ضاق وقت الفريضة بحيث لا يتسع لغيرها، فذكر صلاة نسيها قبل الشروع في الصلاة المؤداة أو في أثنائها فليؤد الأداء ويقضي الفائتة بعد خروج الوقت، لأنه لو قدم المقضية على المؤداة لفاتت رتبة الأداء في الصلاتين جميعا فتفوت مصلحة الأداء في الصلاتين، ولا شك أن تحصيل المصلحة في إحدى الصلاتين أولى من تفويتها في الصلاتين، ولا يتم قول المخالف ما لم يبين أن فضيلة
0 التعليقات:
إرسال تعليق