غياث الأمم في التياث الظلم 27
كتاب الصلاة
723 ـ هذا كتابٌ عظيمُ الموقع
في الشرع، لم يتشعب أصلٌ في التكاليفِ تشعُّبَه، ولم يتهذب بالمباحث
قطبٌ من أقطاب الدين تهذُّبَه. والسبب فيه أنه من أعظم شعائر الإسلام، والناس على تاراتهم وتباينِ
طبقاتهم مواظبون على إقامة وظائف الصلوات، مثابرون على رعاية الأوقات، باحثون عما يتعلق بها من الشرائط والأركان والهيئات.
فهي لذلك لا تدرس على ممرِّ
الدهور، ولا يمحق ذكر أصولها عن الصدور.
وليس يليق بهذا الكتاب ذكر أصولها وفروعها ومسائلِها، والتنبيه على مُغمَضاتِها وغوائلها؛ فإنها
مستقصاةٌ في فن الفقه، وإنما يتعلق بهذا الفن من الكلام فصلٌ واحدٌ جامعٌ يحوي
جميعَ الغرض. ونحن نستاقُه على ما ينبغي ـ إن شاء الله عز وجل
ـ مفرَّعاً من الأصول التي قدمناها في كتاب الطهارة. فتقول:
724 ـ ما استمرَّ في الناس
العلمُ بوجوبه فإنهم يقيمونه، وما ذهب عن ذكر أهل الدهر جملةً، فلا تكليفَ عليهم
فيه، وسقوطُ ما عسُر الوصولُ إليه في الزمان لا يُسقطُ الممكنَ؛ فإن من الأصول
الشائعة التي لا تكادُ تُنسى، ما أقيمت أصولُ الشريعة أن المقدورَ عليه لا يسقُط
بسقوطِ المعجوز عنه.
725 ـ وإن اعتراض في هذا
الدهر شيءٌ، اختلف العلماءُ في وجوبه كالطمأنينةِ في الركوع والسجود، وعلم بنو
الزمانِ الاختلافَ، ولم يُحيطوا بأصحاب المذاهب، أو أحاطوا بهم، ولكن كان دَرَسَ
تحقيقُ صفاتهم، وتعذَّرَ على المسترشدين النظُر في أعيان المقلَّدين على ما يليق
باستطاعتهم في تخيّر الأئمة، فما يقع كذلك، فقد تعارضَ القولُ بالوجوب فيه ونفيُ
الوجوب، فما كان كذلك، فقد يظن الفطنُ أنه يتعين الأخذ بالوجوب بناءً على أن من شك
فلم يدرِ أثلاثًا صلَّى الظهرَ أم أربعاً، فإنه يأخذ بالثلاث المستيقنة ويصلي
ركعةً أخرى، ويكون الشك في ركعةٍ من ركعات الصلاة كالشك في إقامةِ أصل الصلاة.
ولكن هذا رأي بعض الأئمة.
726 ـ وليس هذا المسلك متفقاً
عليه بين علماء الشريعة. والنظرُ في هذا من دقيق القول في فروع الفقه، فإذا كان
بناءُ الأمر على شغور الزمان عن العلم بالتفاصيل، فليس يليق بهذا الزمان تأسيسُ
الكلام على مظنونٍ فيه في دقيق الفقه، فإن ظن العامي لا معوَّل عليه، وقد تعذَّر
سبيلُ تأسيس التقليد، وتخيّر المفتين، فالوجهُ القطعُ بسقوط وجوب ما لم يَعلم أهلُ
الزمان وجوبَه.
وإن اعترضت صورةٌ تعارض فيها
إمكان التحريم والوجوبِ، ولم يتأَتَّ الوصولُ إلى الإحاطة بأحدهما، فهذا مما يسقطُ
التكليف فيه رأساً، فهذا يتعلق بأهل الزمان الذي وصفناه.
727 ـ ومما نُجريه في ذلك أنه
إذا جرى في الصلاة ما أشكل أنه مفسد للصلاة أم لا، فقد يخطر للناظر أن الأصلَ
المرجوعَ إليه بقاءُ وجوبِ الصلاة إلى أن يتحقق براءةُ الذمة منها.
ولكن الذي يجبُ الجريانُ عليه
في حكم الزمان المشتملِ على ذكر القواعد الكلية مع التعري عن التفاصيل الجزئية أن
القضاءَ لا يجب؛ فإن التفاصيل إذا دَرَسَت، لم يأمن مصلٍّ عن جريانِ ما هو من قبيل
المفسدات في صلاته، ولكن المؤاخذةَ بهذا شديدة، ثم لا يأمن قاضٍ في عين قضائه عن
قريبٍ مما وقع له في الأداءِ، والأصولُ الكليةُ قاضيةٌ بإسقاط القضاءِ فيما هذا
سبيله.
ونحن نجد لذلك أمثلةً مع
الاحتواءِ على أصول الشريعة وتفاصيلها؛ فإن من ارتاب في أن الصلاة التي مضت هل
كانت على موجَب الشرع؟ وهل استجمعت شرائطَ الصحة؟ وهل اتفق الإتيانُ بأركانها في
إبَّانها؟ فلا مبالاةَ بهذه الخطرات؛ إذ لا يخلو من أمثالها مكلَّفٌ، وإن بذل كنهَ
جهده، وتناهى في استفراغ جِدِّه.
ثم لا يسلمُ القضاءُ عن
الارتياب الذي فُرض وقوعُه في الأداء.
728 ـ فالذي ينبني الأمرُ
عليه في عُرُوِّ الزمان عن ذكر التفاصيل أن لا يؤاخذ أهلُ الزمان بما لا يعلمون
وجوبَه جملةً باتّة.
729 ـ ومما
يُهذَّبُ به غرضُنا في هذا الفن أنه لو طرأَ على الصلاة ما يعلمُ المصلي أنه يقتضي
سجودَ السهو؛ فإنه يسجد، ولو استراب في أنه هل يقتضي السجودَ، وكان محفوظاً في
الزمان أن تركَ سجود السهو لا يبطل الصلاةَ، والسجودُ الزائدُ عمداً من غير مقتضٍ يبطل
الصلاةَ، فالذي يقتضيه هذا الأصل أن لا يسجد المستريبُ.
وإن كان هذا الأصل
منسياً في الزمان، فسجد المستريبُ لم نقضِ ببطلان صلاته؛ فإنه لم يزد سجوداً
عامداً.
وهذا يلتحق بأطراف
الكلام فيما يطرأ على الصلاة، ولا يدري المصلي أنه مفسدٌ لها.
ولو فرض مثلُ هذا
في الزمانِ المشتملِ على العلم بالتفاصيل، وكان سجد رجل ظناً أنه مأمورٌ بالسجود،
ففتوى معظم العلماءِ أنه لا تبطلُ صلاتُه.
فهذا منتهى غرضنا
من كتاب الصلاة.
فصل
في الزكاة
730 ـ القول فيها
مع فرض دروس التفاصيل يتعلق بأمرين:
أحدهما: أن ما
استيقن أهلُ الزمان وجوبَه أخرجوه، وأَوصلوه إلى مستحقيه، وما ترددوا في وجوبه لم
يثبت وجوبُه عليهم؛ فإن الوجوب من غير علم بالموجِب، ومن غير استمكانٍ من الإحاطة
به محالٌ، وإذا كان الزمانُ خالياً من حملة العلوم بالتفاريع، فأهل الدهر غير
مستمكنين من الوصول إلى العلم. وقد وقع الاحترازُ بتقييد الكلام بالتمكن عمن يجب
عليه شئ في توافر العلماءِ، وهو لا يدريه، فانه ممكنٌ من البحث والوصول إلى العلم
بمُساءَلةِ أولي العلم.
فهذا أحد
الأمرين.
731 ـ والثاني:
أنه إذا ظهر ضررُ المحتاجين واعتاصَ مقدارُ الواجب على الموسرين المثرين، فهذا يتعلق بأمرٍ كليٍّ
في إنقاذ المشرفين على الضَّياع، وسيأتي ذلك ببيانٍ شافٍ على الإشباع إن شاء الله
عز وجل.
كتاب
الصوم
732 ـ فأما صومُ
شهر رمضان فإنه على موجَب اطراد العرف لا يُنسى ما ذكرت أُصول الشريعة، والمرعي
فيه ما تقدم تقريره، فما يُستيقنُ في الزمان وجوبُه، أقامة المكلفون، وما شُك في
وجوبه لا يجب.
733 ـ ولو فرضت
صورةٌ يتعارض فيها أمران متناقصان ولا سبيل إلى تقرير الجمع بينهما، وليس أحدهما
أولى بالتخيل والحسبان من الثاني، فيسقط التكليفُ فيه أصلا، مثل أَن يجتمع إمكانُ
تحريم شيءٍ وإيجابِه، كما تكرر وتقرر مراراً فيما تقدم.
734 ـ والقولُ في
الحج يقرُب من القول في غيره من العبادات.
735 ـ وسبيلُنا أن
نذكر الآن باباً جامعاً يحوي أموراً كلية تكثرُ فائدتها، وتظهر عائدتُها، في تقدير
خلو الزمان، ولا يستغني بنو زماننا عنها.
والله ولي الإعانة
بفضله وطوله.
0 التعليقات:
إرسال تعليق