08‏/09‏/2014

غياث الأمم في التياث الظلم 24

غياث الأمم في التياث الظلم 24

الركن الثالث[
الكتاب الثالث
في خلو الزمان عن المجتهدين ونقلة المذاهب وأصول الشريعة
وفيه مراتب:
المرتبة الأولى(الباب الأول): في اشتمال الزمان عن المفتين والمجتهدين
المرتبة الثانية(الباب الثاني): فيما إذا خلا الزمان عن المُجتهدين وبقي نقلة المذاهب
المرتبة الثالثة(الباب الثالث): في خلو الزمان عن المفتين ونقلة المذاهب
المرتبة الرابعة(الباب الرابع): في خلو الزّمان عن أصول الشريعة


القول في الركن الثالث
]الكتاب الثالث[
]مقدمة الركن[
567 ـ مضمونُ هذا الركن يستدعي نخلَ الشريعة من مطلَعِها إلى مقطَعِها، وتَتَبُّعَ مصادرِها ومواردِها، واختصاص معاقدِها وقواعدِها، وإنعامَ النظر في أصولِها وفصولِها، ومعرفةَ فروعها وينبوعِها، والاحتواءَ على مداركها ومسالكها، واستبانةَ كلَّياتِها وجزئياتها، والاطلاعَ على معالمِها ومناظمِها، والإحاطةَ بمبدئها ومنشئِها، وطرقِ تشعُّبِها وترتُّبِها، ومساقِها ومذاقِها، وسببِ اتفاق العلماء وإطباقِها، وعلةِ اختلافها وافتراقها.
ولو ضمَّنتُ هذا المجموع ما أشرتُ إليه، ونصصت عليه، لم يقصُر عن أسفار، ثم لا يحوي منتهى الأوطار، وإنما ذكرتُ هذه المقدمة لتفيد الناظر في هذا الفن أنه نتيجةُ بحورٍ من العلوم لا يعبُرها العوَّام، ولا تفي ببدائعها الأيام والأعوام، وقلَّما تسمحُ بجمعها لطالبٍ واحدٍ الأقدار والأقسام. ولولا حذار انتهاءِ الأمر إلى حد التصلُّف والإعجاب، لآثرت في التنبيه على علوِّ قدر هذا الركن التناهيَ في الإطناب.    
568 ـ وأنا الآن بعون الله وتأييدِه، وتوفيقه وتسديده، أُرتِّبُ القولَ في هذا الركن على مراتب، وأوضِّح في كل مرتبة ما يليق بها من التحقيق.    
فنذكر أولاً اشتمال الزمان على المفتين.
ثم نذكر خلوَّ الدهر عن المجتهدين المستقلِّين بمنصب الاجتهاد، مع انطواء الزمان على نقلةِ مذاهب الماضين.
ثم نذكر شغورَ العصر عن الأثبات والثقات، رواةِ الآراء والمذاهبِ، مع بقاءِ مجامعِ الشرع، وشيوعِ أركان الدين على الجملة بين المسلمين.
ثم نذكر تفصيلَ القول في اندراس الشريعة، وانطماس قواعدِها، وحكم التكليفِ ـ لو فرض ذلك ـ على العقلاء.      
فالمراتب التي ترومها في غرض هذا الركن أربع:     
]المرتبة الأولى: في اشتمال الزمان على المفتين المجتهدين[
569 ـ فأما المرتبة الأولى، فنقول فيها مستعينين بالله تعالى:     
حملةُ الشريعةِ، والمستقلون بها هم المفتون المستجمعون لشرائط الاجتهاد من العلوم، والضامّون إليها التقوى والسداد.

570 ـ وإذْ دُفعنا إلى ذلك، فلا بُدَّ من ذكر ما يقع به الاستقلال في ذكر الخصال المرعية في الاجتهاد، مع إيضاح ما على المستفتين من تخيّر المفتين، فنقول:    
قد ذكرنا في مصنفاتٍ في أصول الفقه استيعابَ القول في صفات المفتين، وآدابَ المستفتين، وتفاصيلَ حالاتهم ودرجاتهم؛ ونحن نذكر الآن منها جُملاً مُقنعةً يفهمها الشادي المبتدئ، ويحظى بفوائدها المنتهي مع الإضراب عن الإطناب وتوقي الإسهاب.
فلتقع البدايةُ بأوصاف المجتهدين، والوجه أن أجمع ما ذكره المتقدمون.
]صفات المفتي[
571 ـ إن الصفاتِ المعتبرةَ في المفتى ستٌّ:     
أحدها: الاستقلالُ باللغة العربية؛ فإن شريعة المصطفى صل الله عليه وسلم  متلقاها ومستقاها الكتابُ والسننُ وآثارُ الصحابة ووقائعُهم، وأقضيتُهم في الأحكام، وكلها بأفصح اللغات وأشرف العبارات، فلا بد من الارتواء من العربية، فهي الذريعة إلى مدارك الشريعة.     
572 ـ والثانية: معرفةُ ما يتعلق بأحكام الشريعة من آيات الكتاب، والإحاطةُ بناسخها ومنسوخها، عامِّها وخاصِّها، وتفسيرِ مجملاتها، فإن مرجعَ الشرع وقطبَه الكتابُ.    

573 ـ والثالثة: معرفةُ السنن؛ فهي القاعدة الكبرى؛ فإن معظم أصول التكاليف متلقى من أقوال رسول الله صل الله عليه وسلم وأفعاله، وفنونِ أحواله، ومعظمُ آي الكتابِ لا يستقلُّ دون بيان الرسول.
ثم لا يتقرر الاستقلالُ بالسنن إلا بالتبحّر في معرفة الرجال، والعلمِ بالصحيح من الأخبار والسقيمِ، وأسبابِ الجرح والتعديل، وما عليه التعويل في صفات الأثبات من الرواة والثقات، والمسنَدِ والمرسَلِ، والتواريخِ التي يترتب عليها استبانةُ الناسخ والمنسوخ.
وإنما يجب ما وصفناه في الأخبار المتعلقة بأحكام الشريعة، وقضايا التكليف، دون ما يتعلق منها بالوعد والوعيد ،والأقاصيص والمواعظ.
   
574 ـ والرابعة: معرفةُ مذاهب العلماءِ المتقدمين الماضين في العصُر الخالية، ووجه اشتراط ذلك أن المفتي لو لم يكن محيطا بمذاهب المتقدّمين، فربَّما يهجم فيما يُجَرِّئُه على خرق الإجماع، والانسلال عن ربقة الوفاق. 
إيهاب : الأولي اشتراط معرفة مواطن الإجماع  عن معرفة مذاهب العلماء المتقدمين
  
575 ـ والخامسة: الإحاطة بطرق القياس ومراتبِ الأدلة؛ فإن المنصوصاتِ متناهيةٌ مضبوطة، والوقائعُ المتوقَّعةُ لا نهاية لها. 
   

576 ـ والسادسة: الورع والتقوى؛ فإن الفاسقَ لا يوثق بأقواله ولا يعتمد في شيءٍ من أحواله.     

0 التعليقات: