17‏/01‏/2015

إمبراطورية الثروة ج2-12

إمبراطورية الثروة ج2-12


الضرائب :
       إن السياسة فى الولايات المتحدة هى سياسة الوسط – لا اليمين ولا اليسار – وإن قدر هذه الأمة معايشة الاختلافات المقسمة أو السير على كلا المنهجين فى ان واحد ما كان الى ذلك سبيل . 

وفى السنوات المائة التالية , حين يتناوب الحزبان على إمساك مقاليد الهيمنة السياسية , ستعتمد البلاد سياسات اقتصادية تراعى مصالح الطبقتين العليا والدنيا .

لقد كانت النتيجة ذات اثار حميدة كلية تقريبا – على الرغم من أنها خلقت فوضى فلسفية – وهذا دائما حال العمل السياسى فى الدول الديموقراطية .

        ولم يشغل دوائر السياسة فى البلاد فى هذه الحقبة السليمة – الى جانب معيار الذهب – سوى النظام الضريبى .

فلقد اعتمدت الحكومة الفيدرالية على التعريفات الجمركية كمصدر رئيسى لإيرادتها منذ أيام الكساندر هاملتون , الى أن اضطرتها الحرب الأهلية  الى فرض ضرائب على كل شئ تقريبا بما فى ذلك الدخول.

         فى عام 1867 خفضت ضريبة الدخل المخصصة للحرب الأهلية الى 5 فى المائة على كل الدخول التى تزيد على 1000 دولار .

وبعد ثلاث سنوات خفض معدل الضريبة مرة أخرى حتى ألغيت نهائيا فى عام 1872 , ولم يكن قبل الحرب الأهلية تأييد يذكر – إن كان حقا ثمة تأييد – لضريبة الدخل , لكن كل برامج الحكومات – حالما كانت توضع قيد التطبيق – تخلق تأييدا سياسيا وهذا كان أيضا شأن ضريبة الدخل .


        لقد نجح مؤيدو ضريبة الدخل من الناحيتين المنطقية والسياسية – لنقل – فى حشد الرأى الى جانبهم . حيث إن الضرائب غير مباشرة – مثل ضرائب السلع الكمالية والتعريفات الجمركية – هى ضرائب على الاستهلاك , وبالتالى فهى تصاعدية بطبيعتها , أى انها تصيب أساسا اولئك الاقل قدرة على تحملها , فالفقراء مضطرون الى إنفاق نسبة عالية جدا من دخولهم على الحاجات الأساسية (الضروريات) تفوق نسبة ما ينفقه الأغنياء , وبالتالى فهم ينفقون نسبة أكبر كثيرا من دخولهم على ضرائب الاستهلاك .

       لقد شرح عضو مجلس الشيوخ جون شيرمان – وهو جمهورى من أوهايو , ولم يكن راديكاليا بأى شكل من الأشكال – فى أحد الحوارات موضوع إلغاء ضريبة الدخل فى عام 1872 فقال : إن لدينا هنا فى نيويورك السيد أستور .. بدخل يعد بالملايين يكسبها من تجارة العقارات .. ولدينا فى المقابل رجل فقير لا يزيد دخله السنوى على الف دولار .

ما وجه التمييز الذى يحمله القانون فى هذه الحالة ؟ إنه بالتأكيد متحيز ضد الرجل الفقير , إذ إننا نفرض ضريبة على كل ما يستهلكه هذا الرجل , ونبقى مع ذلك مترددين فى فرض ضريبة على دخل السيد أستور .

 هل ثمة عدالة فى ذلك لماذا يا سيدى تكون ضريبة الدخل الوحيدة التى تنحو الى مساواة هذه الأعباء بين الغنى والفقير ؟ .
      
       أقدم كورتيليو على الفعل الوحيد الذى كان باستطاعته القيام به فى ظل الظروف السائدة : أبلغ جى بى مورغان الحكومة الفدرالية بذل ما فى وسعها لاستئصال أسباب الهلع , واضعا ثقته به من جديد للخروج بحل لهذه الأزمة المالية التى عصفت بالبلاد .

       كان مورغان على دراية تامة بسبب المشكلة . وفى يوم الخميس 24 اكتوبر أبلغ الصحفيين أنه (إذا بقى المودعون أموالهم لدى المصارف فكل شئ سيكون على ما يرام) . 

لكن إقتناع الناس الذين  شلهم الهلع على التعاون كان الجانب الأصعب فى هذه المهمة.

       وأدرك مورغان أن نيكربوكر ترست كان متعذرا إنقاذه , وأن مؤسسة تسليف أخرى (مؤسسة التسليف الأمريكية) – وعلى الرغم من أنها كانت تستنزف إيداعاتها – إنما كانت مملوءة ماليا .

لذلك ارتأى أن (هذا هو الموضع حيث يجب أن تبدأ معالجة المشكلة) .

و أقنع كورتيليو بإيداع 35 مليون دولار لدى المصارف الوطنية , وطلب الى المصارف اقراض شركة التسليف الأمريكية .

ولما لم يكن لدى المودعين ما يكرههم على سحب أموالهم فإنهم ما عادوا راغبين فى سحبها . وهكذا زالت موجة الهلع التى ضربت شركة التسليف الأمريكية .


        لكن الوضع ظل حرجا . وفى يوم الخميس عبر رئيس بورصة نيويورك شارع برود ستريت الى مصرف مورغان ليبلغ مورغان بوجوب إغلاق البورصة لأنه لم تعد ثمة قروض تحت الطلب (وهى الأموال التى يقرضها السماسرة لعملائها لتمويل حسابات الشراء بالهامش) وقد رفض مورغان بثقة إغلاق البورصة وأمن مبلغ 27 مليون دولار فى خمس دقائق من المصارف الأخرى لتحاشى إغلاق البورصة .

واستدعى فى تلك الليلة المصرفيين الى مكتبته الجديدة العظيمة فى الجادة السادسة والثلاثين . ووضعوا خطة للحفاظ على سيولة المصارف وتحسين عمل الموسرة منها التى كانت تعانى ضغوطا كبيرة , وتوفير مزيد من أموال القروض تحت الطلب للسماسرة .

وقد أذاع أنه ((سيتم التصدى بالوسائل اللازمة لكل من يبيع على المكشوف مستغلا حالة الهلع)) . ولم يكن كثير من السماسرة فى حاجة الى من يدلهم على المقصود بذلك .

        لقد أشرفت الأمور على الانفلات تقريبا , لكن سوق نيويورك المالية استطاعت أن تكمل بقية الأسبوع من دون أن تقع ضحية الفشل أو الأنهيار .

وبعد أن طلب الاجتماع بالمصرفيين خلال الأسبوع طلب أيضا لقاء رجال الدين (الكهنوت) فى المدينة , وحثهم على إلقاء مواعظ شاحذة للهمم والمعنويات فى قداس الأحد .

        وبدأت موجة الهلع فى الأنحسار تدريجيا , وفى الأسبوع التالى زال الخطر . لقد ساهم كثير من مصرفيى نيويورك من أمثال جيمس ستيلمان وجورج إف بيكر , عينا ونقدا فى درء الأزمة .

لكن الرأى العام كان مجمعا على أن مورغان وحده – وكان أنذاك اكثر مصرفيى العالم نفوذا ومكانة , وربما فى كل الأزمان – كان قادرا على جمع شمل مجتمع وول ستريت بأسره وحمله على العمل لأجل المصلحة العامة .

         وقد أثنى ثيودور روزفلت نفسه – وكان مغرما بالتصدى ل (أشرار المال) – على رجال الأعمال وهؤلاء الرائعين أصحاب النفوذ الذين تصرفوا بتلك الحكمة وروح المصلحة العامة .


         فى عام 1907 بداية فترة كساد شديد , كما حدث فى انهيارات العامين 1873 و 1893 .


0 التعليقات: