إمبراطورية الثروة ج2-11
الذهب :
عاد البلد الى معيار الذهب كما كان مخططا
له فى الاول من يناير 1879 , وطلب إلى الخزانة الاحتفاظ باحتياطى من الذهب بقيمه 100
مليون دولار لمقابلة الطلب على المعدن النفيس .
لقد صوت الكونغرس فى السنة السابقة
بالإبقاء على ما يعادل 346681000 دولار من الاوراق النقدية الخضراء التى كانت لا
تزال قيد التداول , لكن على أن تكون قابلة للاسترداد ذهبا , كما كان شأن المسكوكات
الفضية .
كما أقر الكونغرس قانون (بلاند-اليسون) الذى أوجب على الخزانة شراء ما
بين مليونى دولار و 4 ملايين دولار شهريا من الفضة فى السوق المفتوحة وتحويلها الى
مسكوكات بنسبة معادلة (16 الى 1) من الذهب .
بكلمة أخرى , أعلن الكونغرس – وبقوة
القانون – أن ست عشرة أوقية من الفضة تعادل أوقية واحدة من الذهب . وقد كان
لمسكوكات الفضة الجديدة بالطبع أثر كبير فى زيادة عرض النقد فى البلاد , وتلك هى
الطريق النموذجية نحو التضخم .
فعل (قانون غريشام) فعله المحتوم .
إذ
بما أن قيمة الفضة السوقية كانت تعادل واحدا من عشرين من قيمة الذهب , بينما كان
السعر يحدد عند ضرب النقد بنسبة 1 الى 16 فقد سعى الناس – بطبيعة الحال – الى
انفاق الفضة و الاحتفاظ بالذهب , وبدأت احتياطيات من الذهب ترشح من الخزانة .
طرح كليفلاند السؤال التالى : ألديك ما
تقترحه؟ وكان لدى مورغان ما يقترحه بالفعل . ذلك أن إصدار مزيد من السندات فى
السوق المحلية – وفق رأيه – لن يفيد على الأجل الطويل بأى حال .
ولأن الذهب سيكمل
دورته الى خارج الخزانة فى نهاية المطاف .
لكنه وأوغست بيلمونت الابن – وهو وكيل
ال روتشيلد فى الولايات المتحدة , وكان حاضرا فى البيت الأبيض ذلك اليوم – سيؤمنان
مبلغ 100 مليون دولار ذهبا من أوروبا , وسيكون ذلك كفيلا بوقف نزيف الذهب من
الخزانة . كما أن محامى مورغان وضعوا أيديهم على قانون غامض يعود الى زمن الحرب
الأهلية – ولا يزال سارى المفعول – يسمح للحكومة بإصدار السندات اللازمة لشراء
النقد المعدنى من دون العودة الى الكونغرس فى ذلك .
كان مورغان – وهنا يكمن وجه الغرابة –
راغبا فى أن يحول دون تدفق الذهب الى أوروبا , على الأقل فى الأجل القصير .
وكان
هذا عملا من ضروب الشجاعة المالية الفائقة .
وبفضل سمعته التى ملأت الافاق و
اللجوء الى تقنيات متطورة فى اسعار الصرف استطاع مورغان الوفاء بالوعد الذى قطعه
على نفسه .
وفى يونيو 1895 وصل احتياطى الخزانة من الذهب الى 107.5 مليون دولار .
وبدأ الاقتصاد – وهذا الأهم – يتعافى . وهكذا انقذ مورغان معيار الذهب .
ومن الطبيعى أن ماوئى معيار الذهب قد
سلقوا مورغان و بيلمونت بألسنة حداد , وكان هؤلاء يهيمنون على المؤتمر الديموقراطى
لعام 1896 , وقد قدم ويليام جينينج بريان – وهو عضو أسبق فى الكونغرس عن نبراسكا ,
وكان يرأس انذاك تحرير صحيفة (اوهاما وورلد هيرالد) , وكان من مؤيدى معدن الفضة
بشدة – لوفود المؤتمر كل المعلومات المهمة التى كانوا تواقين الى معرفتها عن هذه
المسألة , وذلك فى واحدة من أشهر الخطب العامة فى التاريخ الأمريكى .
لقد طمأن بريان الحضور منذ البداية الى
أن (احقر مواطن فى هذا البلد – عندما يتسربل بدرع قضية عادلة – يكون أقوى من كل
قوى الخطيئة مجتمعة ) .
وكانت قضيته وقف العمل بمعيار الذهب , وعرض بكلمات رنانة
كيف أضر هذا المعيار بمصالح المزارعين والعمال , ولم يخدم سوى مصالح من وصفهم –
بكلمات توماس كارليل - ارباب المال العاطل المتكاسلين .
وكان ذلك صلب القضية , كما اخبر الحضور .
لمصلحة اى طرف سيقاتل الحزب الديموقراطى , لمصالح ارباب المال العاطل , المتكاسلين
ام الى جانب الجماهير الكادحة ؟ .
كان يشد الحضور طرف راحته عندما بلغ
نهايته خطبته , و كان صوته يبلغ من دون جهد كل اركان قاعة المؤتمرات فى شيكاغو :
بحصولنا على دعم الجماهير المنتجة فى الأمة و العالم , مدعومة بالمصالح التجارية
ومصالح العمال والكادحين فى كل مكان ,
سنرد على مطالبهم بمعيار الذهب بأن نقول لهم
: لن تثبتوا على جبين العمال تاج الشوك هذا , لن تصلبوا البشرية على صليب من ذهب .
أعلن بريان فى خطبته العظيمة : لقد عرضنا
مطالبنا .. لكنها قوبلت بازدراء , لقد توسلنا .. لكن توسلاتنا لم تلق أذنا صاغية ,
لقد تضرعنا .. لكنهم سخروا منا فى محنتنا .
إننا لن نتوسل بعد الان .. لن نتضرع ..
لن نطالب .. وإننا نتحداهم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق