17‏/01‏/2015

إمبراطورية الثروة ج2-11

إمبراطورية الثروة ج2-11


   الذهب :

       عاد البلد الى معيار الذهب كما كان مخططا له فى الاول من يناير 1879 , وطلب إلى الخزانة الاحتفاظ باحتياطى من الذهب بقيمه 100 مليون دولار لمقابلة الطلب على المعدن النفيس . 

لقد صوت الكونغرس فى السنة السابقة بالإبقاء على ما يعادل 346681000 دولار من الاوراق النقدية الخضراء التى كانت لا تزال قيد التداول , لكن على أن تكون قابلة للاسترداد ذهبا , كما كان شأن المسكوكات الفضية .

 كما أقر الكونغرس قانون (بلاند-اليسون) الذى أوجب على الخزانة شراء ما بين مليونى دولار و 4 ملايين دولار شهريا من الفضة فى السوق المفتوحة وتحويلها الى مسكوكات بنسبة معادلة (16 الى 1) من الذهب .

بكلمة أخرى , أعلن الكونغرس – وبقوة القانون – أن ست عشرة أوقية من الفضة تعادل أوقية واحدة من الذهب . وقد كان لمسكوكات الفضة الجديدة بالطبع أثر كبير فى زيادة عرض النقد فى البلاد , وتلك هى الطريق النموذجية نحو التضخم .

          فعل (قانون غريشام) فعله المحتوم .

إذ بما أن قيمة الفضة السوقية كانت تعادل واحدا من عشرين من قيمة الذهب , بينما كان السعر يحدد عند ضرب النقد بنسبة 1 الى 16 فقد سعى الناس – بطبيعة الحال – الى انفاق الفضة و الاحتفاظ بالذهب , وبدأت احتياطيات من الذهب ترشح من الخزانة .

          طرح كليفلاند السؤال التالى : ألديك ما تقترحه؟ وكان لدى مورغان ما يقترحه بالفعل . ذلك أن إصدار مزيد من السندات فى السوق المحلية – وفق رأيه – لن يفيد على الأجل الطويل بأى حال . 

ولأن الذهب سيكمل دورته الى خارج الخزانة فى نهاية المطاف .

لكنه وأوغست بيلمونت الابن – وهو وكيل ال روتشيلد فى الولايات المتحدة , وكان حاضرا فى البيت الأبيض ذلك اليوم – سيؤمنان مبلغ 100 مليون دولار ذهبا من أوروبا , وسيكون ذلك كفيلا بوقف نزيف الذهب من الخزانة . كما أن محامى مورغان وضعوا أيديهم على قانون غامض يعود الى زمن الحرب الأهلية – ولا يزال سارى المفعول – يسمح للحكومة بإصدار السندات اللازمة لشراء النقد المعدنى من دون العودة الى الكونغرس فى ذلك .

           كان مورغان – وهنا يكمن وجه الغرابة – راغبا فى أن يحول دون تدفق الذهب الى أوروبا , على الأقل فى الأجل القصير .

 وكان هذا عملا من ضروب الشجاعة المالية الفائقة .

وبفضل سمعته التى ملأت الافاق و اللجوء الى تقنيات متطورة فى اسعار الصرف استطاع مورغان الوفاء بالوعد الذى قطعه على نفسه .

وفى يونيو 1895 وصل احتياطى الخزانة من الذهب الى 107.5 مليون دولار . وبدأ الاقتصاد – وهذا الأهم – يتعافى . وهكذا انقذ مورغان معيار الذهب .
          ومن الطبيعى أن ماوئى معيار الذهب قد سلقوا مورغان و بيلمونت بألسنة حداد , وكان هؤلاء يهيمنون على المؤتمر الديموقراطى لعام 1896 , وقد قدم ويليام جينينج بريان – وهو عضو أسبق فى الكونغرس عن نبراسكا , وكان يرأس انذاك تحرير صحيفة (اوهاما وورلد هيرالد) , وكان من مؤيدى معدن الفضة بشدة – لوفود المؤتمر كل المعلومات المهمة التى كانوا تواقين الى معرفتها عن هذه المسألة , وذلك فى واحدة من أشهر الخطب العامة فى التاريخ الأمريكى .

         لقد طمأن بريان الحضور منذ البداية الى أن (احقر مواطن فى هذا البلد – عندما يتسربل بدرع قضية عادلة – يكون أقوى من كل قوى الخطيئة مجتمعة ) .

وكانت قضيته وقف العمل بمعيار الذهب , وعرض بكلمات رنانة كيف أضر هذا المعيار بمصالح المزارعين والعمال , ولم يخدم سوى مصالح من وصفهم – بكلمات توماس كارليل - ارباب المال العاطل المتكاسلين .

        وكان ذلك صلب القضية , كما اخبر الحضور . لمصلحة اى طرف سيقاتل الحزب الديموقراطى , لمصالح ارباب المال العاطل , المتكاسلين ام الى جانب الجماهير الكادحة ؟ .

        كان يشد الحضور طرف راحته عندما بلغ نهايته خطبته , و كان صوته يبلغ من دون جهد كل اركان قاعة المؤتمرات فى شيكاغو : بحصولنا على دعم الجماهير المنتجة فى الأمة و العالم , مدعومة بالمصالح التجارية ومصالح العمال والكادحين فى كل مكان ,
سنرد على مطالبهم بمعيار الذهب بأن نقول لهم : لن تثبتوا على جبين العمال تاج الشوك هذا , لن تصلبوا البشرية على صليب من ذهب .


        أعلن بريان فى خطبته العظيمة : لقد عرضنا مطالبنا .. لكنها قوبلت بازدراء , لقد توسلنا .. لكن توسلاتنا لم تلق أذنا صاغية , لقد تضرعنا .. لكنهم سخروا منا فى محنتنا .

إننا لن نتوسل بعد الان .. لن نتضرع .. لن نطالب .. وإننا نتحداهم .

0 التعليقات: