روح السياسة 8
نشأت تلك الأوهام الصغيرة الباطلة عن وهم أبدى
ثابت أى الخوف ، يعرف اقطاب السياسة تأثير الخوف وما يحدثه فى النفوس من الأوهام ،
فيقدرون بدهائهم على الانتفاع به وأما قصار النظر من الساسة فإنهم يكابدونه .
وشأن العقل فى جميع الانقلابات التى حدثت ببطء
ضعيف إلى الغاية ، وقد اطلع على ذلك قادة التاريخ الحقيقيون ، فلم يسعوا فى
التأثير فى عقول البشر ، بل فى نفوذ مشاعرهم وكسب قلوبهم .
والتجربة وحدها التى تؤثر فى أصحاب النفوس
المتهوسة ، قوانين جوائز البحرية التجارية – تكلف هذه القوانين بيت المال واحد
وأربعين مليون فرنك كل سنة ، غير أنها تعجل انحطاط بحريتنا وتروج الشركات
الألمانية .
" تعلمون أن الحكومة الفرنسية تدفع جوائز
إلى أصحاب البواخر حسب المسافة التى تقطعها ، وإن كانت غير مشحونة ، ومعنى ذلك
أنها تطوف حول الأرض على حساب الميزانية الفرنسية .
إن بواخر فرنسية ترفض الشحن طمعا
فى اكتساب الوقت ، لأنها ترى أن الغدو والرواح فارغة أفيد لها من أن تكون مشحونة
.
ومما ألمح إليه المسيو ( بلاته ) أن بعض الألمان طلبوا جوائز للمساواة
بينهم وبين من ينالون جوائز فى فرنسا ، فرفض مديرو الشركات الكبيرة ذلك "
لأنهم يعدون الجوائز قضاء على ملكة الاستنباط والنشاط فى ألمانيا وإنذارا بزوال
حريتها .
قانون نزع أملاك المحافل الدينية
– مع أن الحكومة كانت تطمع فى دخل مليار فرنك من نزع تلك الأملاك لم تنل غير عشرة
ملايين ، ثم أن القانون المذكور ألجأ الكومة إلى إنشاء عدد كبير من المدارس
والمؤسسات الصحية ، فصارت تنفق كل سنة مئات من الفرنكات بدلا من المليار فرنك الذى
كانت ترجو قبضه .
وقد أدى هذا
القانون المنافى للأدب والذوق إلى نتائج اجتماعية مضرة كإيراثه سخط ألوف من أبناء
الوطن ، وتقويته للمبدأ الاشتراكى القائل إن الحكومة تستطيع بوضعها قانونا أن
تستولى على أملاك الأفراد ومصانعهم ، وأوجب نزع أملاك إحدى طبقات الشعب غيظا فى
الأمم الأجنبية وتشويها لسمعتها .
قوانين جوائز صنع السكر – ألغيت
هذه القوانين بعد أن كلفت بيت المال عدة ملايين من الفرنكات ومن نتائجها زيادة
انتاج السكر فى بلادنا زيادة غير طبيعية ، وبيع صانعيه له فى فرنسا بثمن أعلى خمس
مرات مما كانوا يبعيونه فى انجلترا ، وجمعهم ثروة وافرة من المستهلكين .
قانون حرية فتح القهوات والحانات
وبيع المسكرات – لم يكلف هذا القانون الدولة شيئا فى الظاهر ولكنه أخر الوطن
بتأديته إلى زيادة تعاطى المسكرات ، وتفشى الامراض ونهك القوى .
قال المسيو ( دولومبر ) حديثا :
" فى كل مرة تحتكر بلدية باريس مشروعا بنقص دخل ذلك المشروع ، وتزيد رواتب
مستخدميه ونفقاته الثانوية .
قوانين معالجة أزمة الكروم فى
جنوب فرنسا – تثبت هذه القوانين أن المشترع لا يقدر على مكافحة مقتضيات الطبيعة ،
وإليك البيان : زاد سكان جنوب إنتاح الخمر بعد أن أفرطوا فى غرس الدوالى ، وماذا
عليهم أن يفعلوا إزاء هذه الحال ؟ يجب أن يقتدوا بزارع الفوة الذين عدلوا بعد اكتشاف حمرة الفوة عن زرع
الفوة غارسين فى مكانها أشجارا أخرى ، ومن حسن الحظ أن الناس أيام اكتشاف تلك
الحمرة كانوا قليلى الاتكال على الحكومة ، فلم يلجأوا إلها لتقضى على صنع حمرة
الفوة الرخيصة فى سبيل عروق الفوة الغالية ، والآن لما تحول الناس باتشار المذهب
الحكومى بينهم طالب سكان الجنوب الحكومة بابتياع ما لم يشتره الجمهور من الخمر أى
منحهم جوائز تعويض فأجابتهم الحكومة إلى رغباتهم ، وسيظل تاريخ أزمة الجنوب مثالا
خالدا على أفكار أمة أينع المذهب الحكومى فيها ، وبهذه المناسبة أذكر أن أزمة كتلك
لا تقع فى انجلترا وأمريكا ، حث تعود الأفراد الاعتماد على نشاطهم الشخصى لا
الحكومة .
الاوهام أكثر حوادث الماضى
العظيمة ، و يدلنا درس التاريخ درسا دقيقا عل أنه عبارة عن مساعى الأمم والشعوب فى
خلق أوهام وتبديد أخرى .
وأن السياسة فى الماضى والحال لم تكن سوى تنازع الأوهام ، ولكن الأوهام غير
متساوية فى قدرتها ، فهى متسلسلة المراتب تسلسلا يدفعنا إلى تصنيفها .
0 التعليقات:
إرسال تعليق