01‏/05‏/2016

روح السياسة 2

روح السياسة 2

المقصد والطريقة

    فقد أبصر المؤرخون الآن أن الأوهام فى الغالب هى التى استحوذت عليهم فى مباحثهم .

   اليوم نرى الحادثات الاجتماعية كثيرة التعقيد وثيقة الارتباط بعيدة جدا عن البساطة والسهولة مماثلة لحوادث الحياة الجثمانية ، فيجب على العالم الذى يكدح فى البحث عن النواميس التى تتحول بها الأنواع ، وتتكيف أن يبحث أيضا عن سنن النشوء الاجتماعى التى لم يعلم منها إلا القليل .

   وبما أن البحث فى عناصر المجتمع لم يتجاوز دائرة المزاعم الباطلة ظل الاطلاع على حقيقة الأمور ناقصا ، ولا يعبأ أصحاب العلوم النظرية بغير ما يستوقف النظر فى مقادير حياة الأمم .     
  
 فترى غاية التاريخ عندهم البحث فى أعمال الملوك وحروبهم فقط ، وقد استمر تجاهلهم حياة الشعوب والاستخفاف بها حتى الزمن الأخير .

   إن معرفة أساليب الحكم – أى معرفة روح السياسة – من أصعب المسائل فى جميع الأزمنة ولا سيما فى الزمن الحاضر حيث ثقلت وطأة مقتضيات الاقتصاد الناشئة عن مبتكرات العلوم والصنائع و أصبح لا تأثير للحكومات فيها .

   والتأثير هو أهم قواعد ذلك الحكم ، فمن تقدير وقت التأثير وكيفيته وحدوده يتألف فن السياسة .

   وإنعام النظر فى الهفوات السياسية التى حدثت فى غضون التاريخ نرى أنها ناشئة جهل علم النفس ، وكما أن الفنون والعلوم تخضع لقواعد لا يجوز نقضها كذلك قيادة الناس لها قواعد لا تخرق حرمتها ، من غير أن يؤدى ذلك إلى عواقب وخيمة ، ويصعب اكتشاف هذه القواعد بدليل أن عدد الذى صيغ منها حتى الآن قليل جدا .

   والكتاب الحقيقى الوحيد الذى بحث فى روح السياسة هو الكتاب الذى وضعه فلورنسى منذ أربعة قرون فخلد به اسمه ( كتاب الأمير لميكافيلي)


   " ماكيافللى 1527 في كتاب الأمير"  فقد تضمن هذا الكتاب قواعد سديدة فى قيادة أبناء ذلك 

الوقت ، ولو لم يختص هذا الكتاب النفيس بذلك الزمن لما ساء صيته بعد أن تطورت الأفكار والعادات . 

اطلع هذا العالم بثاقب نظره على حقائق الأمور ، فكان يبحث عن الممكنات لا عن الكمال . فتفسير سياسة العصر المذكور بأفكارنا الحاضرة هو من عدم الإصابة كشرح الحروب الصليبة والحروب الدينية وملحمة سان بارتلمى بمبادئ زماننا .

0 التعليقات: