روح السياسة 2
المقصد والطريقة
فقد أبصر المؤرخون الآن أن الأوهام فى الغالب
هى التى استحوذت عليهم فى مباحثهم .
اليوم نرى الحادثات الاجتماعية كثيرة التعقيد
وثيقة الارتباط بعيدة جدا عن البساطة والسهولة مماثلة لحوادث الحياة الجثمانية ،
فيجب على العالم الذى يكدح فى البحث عن النواميس التى تتحول بها الأنواع ، وتتكيف
أن يبحث أيضا عن سنن النشوء الاجتماعى التى لم يعلم منها إلا القليل .
وبما أن البحث فى عناصر المجتمع لم يتجاوز دائرة
المزاعم الباطلة ظل الاطلاع على حقيقة الأمور ناقصا ، ولا يعبأ أصحاب العلوم
النظرية بغير ما يستوقف النظر فى مقادير حياة الأمم .
فترى
غاية التاريخ عندهم البحث فى أعمال الملوك وحروبهم فقط ، وقد استمر تجاهلهم حياة
الشعوب والاستخفاف بها حتى الزمن الأخير .
إن معرفة أساليب الحكم – أى معرفة روح السياسة –
من أصعب المسائل فى جميع الأزمنة ولا سيما فى الزمن الحاضر حيث ثقلت وطأة مقتضيات
الاقتصاد الناشئة عن مبتكرات العلوم والصنائع و أصبح لا تأثير للحكومات فيها .
والتأثير هو أهم قواعد ذلك الحكم ، فمن تقدير
وقت التأثير وكيفيته وحدوده يتألف فن السياسة .
وإنعام النظر فى الهفوات السياسية التى حدثت فى غضون التاريخ نرى أنها
ناشئة جهل علم النفس ، وكما أن الفنون والعلوم تخضع لقواعد لا يجوز نقضها كذلك
قيادة الناس لها قواعد لا تخرق حرمتها ، من غير أن يؤدى ذلك إلى عواقب وخيمة ،
ويصعب اكتشاف هذه القواعد بدليل أن عدد الذى صيغ منها حتى الآن قليل جدا .
والكتاب الحقيقى الوحيد الذى بحث فى روح السياسة هو الكتاب الذى وضعه
فلورنسى منذ أربعة قرون فخلد به اسمه ( كتاب الأمير لميكافيلي)
" ماكيافللى 1527 في كتاب الأمير" فقد تضمن هذا الكتاب قواعد سديدة فى
قيادة أبناء ذلك
الوقت ، ولو لم يختص هذا الكتاب النفيس بذلك الزمن لما ساء صيته
بعد أن تطورت الأفكار والعادات .
اطلع هذا العالم بثاقب نظره على حقائق الأمور ،
فكان يبحث عن الممكنات لا عن الكمال . فتفسير سياسة العصر المذكور بأفكارنا
الحاضرة هو من عدم الإصابة كشرح الحروب الصليبة والحروب الدينية وملحمة سان
بارتلمى بمبادئ زماننا .
0 التعليقات:
إرسال تعليق