01‏/05‏/2016

روح السياسة 4

روح السياسة 4
فالسياسة – بحسب ما توصلنا إليه من المعرفة فى الوقت الحاضر – هى التوفيق بين السير والحركة وبين مقتضيات الوقت معقولة كانت أم غير معقولة .

     إن العقل يهيئ بالتدريج العوامل التى تتحول بها نفوسنا ، غير أن تأثيره المباشر ضعيف جدا ، والأمور التى تتحول به بغتة قليلة إلى الغاية .

     الإقناع ما للتكرار من الشأن العظيم ، ولم يباغ نابليون بقوله إن التكرار مظهر البلاغة الأساسى ، لأنه من أشد عوامل الإقناع تأثيرا ، ولا يسلم الناس بالآراء لصحتها ،

 بل يسلمون بها عندما تستولى – بفعل التكرار والعدوى الفكرية – على دائرة اللاشعور التى هى علة السير فينا .
     والانسان لا يستطيع أن يتصور الأمور المجردة كما يجب إلا إذا قاسها على ما أحسه بنفسه من الأمور قبلا .

     يخضع ذانك العالمان لعوامل متباينة تباين الآمال التى تبذرها فى النفوس ، فالأول وهو عالم الماضى لا نزال نعانى عزائمه على رغم موته ، والثانى هو عالم الحال حافل بالأسرار لما يحمل بين ثناياه من مستقبل مجهول . 

    وهكذا نرى قوة العدد تحل الآن محل الذكاء أكثر منها فيما سلف ، إن الحياة السياسية عبارة عن توفيق المرء بين مشاعره وبين البيئة التى تكتنفه ،

يتصف هذا الوقت بحلول سلطان العوامل الاقتصادية فيه محل سلطان الملوك والقوانين ، ثم يتبادل المنافع بين الشعوب التى كان بعضها منفصلا عن البعض الآخر .

   وفى عالم السياسة الحاضر لا يبحث عن الأحسن بل عن السهل ، والتاريخ يثبت أن تأثيرنا فى المجتمع ضئيل إلى الغاية ، وأن الانقلابات الأساسية لا تتم إلا بفعل الزمان ، وأن الأنظمة ليست سوى طرف خارجى لروح باطنية ، وانها تشبه اللباس الذى يتاسب جسما دون أن يقدر على تكوينه ، وأن الذى يلائم شعبا قد لا يلائم شعبا آخر .



    لا ننكر شأن النظم والرجال فى سير الحوادث ، فكل صفحة من صفحات التاريخ تدل على عظمته ، وإنما يبالغ التاريخ فى تقدبر أهمية ذلك الشأن غير ملاحظ أن النظم والرجال هى فى الغالب عبارة عن توسع ماض طويل ، وانها إذا لم تظهر فى الوقت المناسب تكون ذا عمل مخرب كعمل الفاتحين . 

0 التعليقات: