17‏/08‏/2016

روح السياسة 18


روح السياسة 18



الأوهام الاشتراكية والأوهام النقابية

   يجب أن يفرق بين الاشتراكية التى نمارى فى مذاهبها , وبين حركة التضامن الاجتماعى التى نرى انتشارها فى كل مكان , فحركة التضامن الاجتماعى ليست وليدة نظريات الاشتراكية , با إن انتصار هذه النظريات يعوق سيرها .


   ويهتم النقابيون ببيان ما فى الاشتراكية الحكومية من الأوهام والخيالات , ففى مؤتمر سنة 1907 خاطب أحد أعضاء المذهب النقابى النافذين رئيسا من رؤساء الاشتراكيين فى فرنسا بما يأتى : " مبادئكم وهمية لأنها تعزو إلى قوة الحكومة القاهرة ما ليس فيها من قدرة على الخلق والتكوين , فأنتم لن تستطيعوا إحداث مجتمع جديد , ولن تقدروا على منح العمال أهلية يديرون بها أمور الانتاج والمقايضة . نعم ستصبحون سادة حينا من الزمن , وستقبضون على السلطة التى هى فى أيدى أبناء الطبقة الوسطى وستكثرون من وضع المراسيم ولكنكم سوف لا تأتون بالمعجزات , فتجعلون العمال مستعدين للقام مقام أرباب رؤس الأموال , قولوا لنا كيف يوجب قبض بضعة رجال على أمور الدولة تغيير مزاج الجموع النفسى وتبديل المشاعر , وزيادة القابليات وإبداع قواعد جديدة للحياة .

   ولم يق انفصال النقابيين عن الاشتراكيين الحكوميين فى فرنسا وحدها , بل وقع فى ألمانيا أيضا .                                             
   المذهب النقابى الذى هو أكثر أهمية من الاشتراكية الحكومية لصدوره عن مقتضيات الاقتصاد الحاضرة لا عن الوهم والخيال .

   "إن مقاصد الاشتراكية القضاء على التفاوت الطبيعى بالتسوية بين الناس فى المعايش وترجو الاشتراكية أن تصل إلى ذلك بإلغاء الملكية وثروة الأفراد وبإدارة الصناعات من قبل الحكومة .
   والصفة الرئيسية للاشتراكية هى الحقد على جميع الأفضليات : أفضلية النبوغ وأفضلية الثروة وأفضلية الذكاء .

   المذاهب تستحوذ على النفوس بما تحييه فيها من الآمال لا بما تدعو إليه من المعقول , فالانسان لا يقدر على العيش من غير دين أى من غير أمل .

   لنفرض أن النصر تم للاشتراكية وبوشرت التسوية بين الناس فى الاجور , حينئذ نرى أصحاب الذكاء – من علماء وأرباب فن ومخترعين وعمال ماهرين – يهاجرون إلى البلدان المجاورة حيث يستقبلون بحماسة , إذ النبوغ يجزل لصاحبه الأجرة فى كل مكان , وهكذا لا تظل الاشتراكية سائدة إلا لمجتمع مؤلف من أشخاص كثيرى الانحطاط .  

   على أن الاشتراكية قصيرة الأجل بعد أن يتم لها النصر , فسرعان ما يسلم الشعب مقاليد الأمور إلى مستبدين منقذين بحماسة .

   وعلى الثوريين المنتصرين أن يختاروا إحدى الطريقين , إما أن يبقوا ثوريين رافعين أعلام الفوضى وحينئذ تتفق جميع الآراء ضدهم فلا يدوم سلطانهم , وإما أن يحكموا البلاد بأسلوب مماثل لحكم الماضى , وهذا ما يفعله جميع المشاغبين المنتصرين , فكل من يدعو الناس قبل أن يقبض على زمام الحكم إلى التمرد والاعتصام العام واستعمال العنف والقسوة لا يلبث أن يحارب هذه النازع عندما يصبح سيدا لا لخيانة يخون بها مبادئه بل لاكتشافه أن حياة الأمة قائمة على محافظة على بعض القواعد التقليدية .  


   والخطرالحقيقى فى ضعف أولى الأمر منا , لا فى صولة رجال الثورة ,فمتى تصبح بلاد مشبعة من الفوضى ومصالح مهددة بالإعتداء عليها , ومتى أضحى لا يرى فيها إلا خطب هذرية , ووعود كاذبة وقوانين عقيمة يبحث سكانها عن حاكم مطلق قادر على إعادة النظام وحماية العمل , على هذا الوجه غاب كثير من النظم الديمقراطية عن الوجود .

   نعم إن الحكم المطلق يوطد النظام حينا من الزمن , إلا أنه مؤد لمعركة كمعركة ( واترلو) و( سيدان ) , ثم إلى افتتاح الأجنبى للبلاد . 

0 التعليقات: