17‏/08‏/2016

روح السياسة 24

روح السياسة 24

القتل السياسى

   إن القتل السياسى – وقد كثر وقوعه هذه الأيام – مظهر من مظاهر الفوضى الاجتماعية الحاضرة وعنوان لاختلال نفسى عظيم . 

 وأكبر انطباع يوجبه القتل السياسى فى الجمهور عدم تأديته إلى نتيجة عملية , فسواء أقيصر روسيا كان المقتول أم ملك ايطاليا أم امبراطورة النمسا أم رئيس جمهورية فرنسا أم ملك البرتغال يدل الواقع على أنه ينصب فى الحال مكانه رجل آخر من دون أن يبدل شئ فى النظام الذى مثله المقتول ,وكثيرا ما يؤدى القتل السياسى إلى رد فعل مؤيد للنظام المذكور .

الاضطهاد الدينى

   الأحقاد الدينية أحد العوامل فى انتشار الفوضى الاجتماعية فى فرنسا .

   تجلت الاضطهادات الدينية على الخصوص فى فصل الكنيسة عن الدولة وفى قانون نزع أموال المحافل الدينية , جاهلين أن القوى الأدبية لا تقاتل بالعنف والقسر.

   وليست القوانين القائلة بنزع أموال الحافل الدينية طائشة بل هى تنم عن ظلم وحشى , وتدل على عجز عن فهم بعض قواعد الإنصاف , وقد أثبتت درجة ما توجبه القوانين المفسدة للأخلاق من فساد فى أخلاق الذين يطبقونها .

  نعلم أن الباعثعلى سن تلك القوانين هو حب القبض على مليار فرنك كان يظن أنه يعود على المحافل الدينية ثم توزيع قسم منه على العمال كرواتب تقاعد طمعا فى أصواتهم أيام الانتخابات , وقد كانت نتيجة ذلك أن المليار غاب عن الأبصار وزاد العمال حقدا على المجتمع , إذ لم تسفر تصفية أموال المحافل الدينية عن غير اثنى عشرمليونا من الفرنكات , وقد زاد الأمر ضررا نزع المعاهد والمؤسسات التى كانت المحافل الدينية تقوم بهامن يد هذه المحافل وتحميل الدولة واجب الإنفاقعليها من بيت المال .

   والأشخاص الذين استفادوا من تطبيق القوانين المذكورة هم مأمورو التصفية والمضاربون .
   وقد عرض الموسيو ( ويجيسمانسه ) تقريرا على مجلس الشيوخ فدعمه بأرقام موجبة للحزن , إذ ذكر أن بعض المحاكم منحت مأمورى التصفية مئة ألف فرنك أجرة على تصفية ستمئة ألف فرنك .   

 غير أن هذه المبالغ التى ابتلعها مأمورو التصفية وحماتهم لا تعد شيئا بجانب الأرباح التى نالها أرباب الصناعات من المزايدات التى لم تقع علنا , فقد ذكر الموسيو ( دوفيلين ) فى جلسة عقدها المجلس فى 14 كانون الثانى سنة 1909 أمثلة بارزة صحيحة على ذلك , ومنها ان رجلا اشترى دير ( بوا ) ب 2600000 فرنك فباعه على الفور بربح ثمانية ملايين فرنك,وأن رجلا آخر ابتاع دير ( وازو) بثمن دون ثمنه الحقيقى ثلاث مرات .

   ولا نجهل المواطآت التى أقامت مجلس النواب وأقعدته , فبالمواطآت قضت المحاكم لصديق من أصدقاء مأمورى التصفية بأن يدفع نصف مليون فرنك ثمنا لمصنع (شارتروز) وعلامته التجارية مع أن ثمنهما قدر رسميا بثمانية ملايين فرنك

   وأما الذين نزعت أموالهم فلم يفكر أحد فى أمرهم , فوقع أكثرهم فى بؤس شديد  
   فى خطبة ألقيت فى مجلس النواب ونشرتها الجريدة الرسمية ما يأتى : " أسأل رئيس الوزراء : من الذى سيطعم رجال الدين الذين جردهم موظفو التصفية من أموالهم وكيف ترون أن تقضوا حاجاتهم ؟       

 هم لا يمنحون رواتب تقاعد وليس لديهم شئ من وسائل العيش .  

 اليوم نعرف أن مليارات المحافل الدينية استعملت لطرد البنات القديسات وكثير من رجال الدين الذين كانوا لا هم لهم سوى عمل الخير وإغاثة البائسين وحماية الأولاد.

   ولا يسع أى رجل حر الضمير أن ينكر حيدان الدولة عن طريق العدل وسلوكها سبيلا مفسدا للأخلاق بنزعها أملاكا خاصة بالأفراد كمصنع ( شارتروز ) الذى أنشأه أناس بأموالهم وعملهم الشخصى , فنزع أموال الأفراد لمخالفة مبادئهم الدينية مبادئ أولياء الأمور عمل وحشى مخل بالأدب وقواعد الإنصاف .

   وعلى أى أساس يقوم المجتمع بعد أن بلغ فيه ازدراء الحقوق هذا المبلغ ؟ لذلك يرجع المجتمع إلى عصور الهمجية حيث لا حق لغير القوى .

   فالديانات عبارة عن قوى يجب الانتفاع بها لا هدمها , ولا يجوز أن يضطهدوا المعتقدات الأخرى .


  الديانات – وهى التى تورث النفوس آمالا كبيرة , وتدعم الضعفاء والمحرومين طيب العيش – ملجأ البائسين فى كل وقت , فنعد الخياليين الذين أوجدوا الآلهة وعبادتها من المحسنين إلى البشر , والعلم الذى عرفهم أخذ يعدل عن مقاتلتهم , ويعترف بشأنهم الكبير, فقد كانوا فى الماضى عوامل ثبات فى الأمم الخلقى , وهم إن كانوا سيتحولون فى المستقبل لن يزولوا ما دام البشريحتاج إلى الأمل . 

0 التعليقات: