روح السياسة 23
ولكن عندما يقع ذلك فى وقت لا
يكون فيه ما يكفى من قوانين العقوبات الشافية , ويكون كل امرئ مكرها على الدفاع عن
نفسه يصول الشعب – كما صرح مقرر اللجنة القضائية فى مجلس النواب – صولة شديدة ,
فيشرع فى قتل الجناة من غير محاكمة .
ومن فوائد العقوبات الجثمانية أنها تذل من
تطبق عليه أكثر من أن تؤلمه , فالوبش الذى يفتخر بالسجن حتى بالشنق لا يفتخربأنه
جلد عشرين جلدة مثلا .
استفحال الجرائم
أوجب انتشار الفوضى الاجتماعية زيادة الجرائم
, ولا تخلو مطالعة ما دار حديثا فى البرلمان من المناقشات حول الجرائم وعقوبة الإعدام من فائدة , فهى
ترشدنا إلى السهولة التى يهذر بها أذكياء الخطباء عندما يتخذون السبل العاطفية
دليلا لهم .
لقد
أتوا بأدلة مختلفة لحماية القتلة من عقوبة الإعدام .
الباعث على تلك المناقشات هو
مسألة " التبعة " التى أثرت كثيرا فى سير العقوبات منذ خمسين سنة ,
واتضح أمرها الآن على وجه التقريب , فالتبعة لا تلحق المرء إلا إذا كان مريدا
مختارا .
الإنسان غيرمسئول عن أفعاله من
الوجهة الفلسفية , ولكنه مسئول عنها اجتماعيا ,
احتاج الوقوف على الفرق بين التبعة الاجتماعية , وعدم التبعة الفلسفية إلى
زمن غير قليل .
يجب إنزال العقاب على المجانين
وأشباههم إذا خرقوا حزمة القوانين الاجتماعية سواء مختارين كانوا أم غير مختارين ,
فإذا جاز ترك مبدأ التبعة الأدبية لا يجوز ترك مبدأ التبعية الاجتماعية , وإذا
اقترف الجانى الجريمة , شاعرا كان أم غير شاعر فهو خطر ينبغى نفيه من المجتمع ,
فلولا التبعية الاجتماعية لما قامت حضارة ما .
والحاجة إلى القتل للقتل نفسه
تنمو ويشتد أمرها إذا لم يقض عليها بعنف , فهى ثمالة موروثة مستعدة للظهور فى كل
حين
ومع إن العقوبات فى انجلترا
قصيرة المدة تطبق على المجرمين تطبيقا شديدا مؤثرا فى نفوسهم , فهم يكرهون على
الشغل الشاق ويجلدون بسياط ذات تسعة أذناب .
قللت هذه الطريقة عدد الجرائم فى
انجلترا , وصارت لندن التى كانت تسكنها – كما بين الموسيو ( لاكاسان ) – عصابة من
الأوباش لا تعرف هذه العصابة بعد أن جلد من قبض عليه من أفرادها وتشتتت .
لقد سن نظام الجلد فى الدنمارك
سنة 1905 عندما كثرت فيها الاعتداءات على الناس, وإنا لنرجو أن يدخل مشترعونا نظام
العقوبات الجثمانية إلى فرنسا , بعد أن اثبتت التجارب تأثيره الحسن فى انجلترا ,
ودلت على أنه خير من اللبث فى السجن شهورا وسنوات . "
وحينما تعيث عصابات الأشقياء فى
الأرياف والحقول فسادا , ويتعذر على المرء أن يطوف فى باريس ليلا من دون أن يتقلد
سلاحا , يفكر ولاة الأمور فى اتخاذ تدابير كافية للمدافعة عن أرواح الناس .
ومن العوامل فى زيادة الجرائم
جبن قضاتنا الذين يخشون انتقام الجناة , ولا يشتدون إلا على النساء المذنبات ذنوبا
طفيفة .
0 التعليقات:
إرسال تعليق