17‏/08‏/2016

روح السياسة 26

روح السياسة 26

الدفاع الاجتماعى

   نعلم أن روح الأمة تتآلف من شبكة من التقاليد والمعتقدات والمشاعر العامة والأساطير التى تبت أمرها بفعل الوراثة , فهذه هى الروح التى تعين على شكل غير شعورى وجهة أفكارنا واتجاه سيرنا وبفضلها تفكر الأمم تفكيرا متماثلا وتسير سيرا متشابها فى طرق معاشها الأساسية .

 والأمل أكبر باعث للحركة على الدوام ,  فالوهم يستولى الأفئدة , وأما الحقائق الباردة فلا توقد نار الحمية فى أحد , ثم إن بذر الأوهام فى النفوس أسهل من بذر الحقائق فيها .

   وتستلزم كل حضارة شيئا من الضغط والقسر , ولا تكون الأمة متمدنة إلا إذا علمت كيف تتحمل هذا الضغط والقسر , فلولا الروادع الاجتماعية القوية لما خرجت الأمم من طور الهمجية , وهى تعود إلى ذلك الطور عندما تضعف تلك الروادع . 

 ولا تبقى الروابط الاجتماعية التى هى وليدة الحضارة إلا بجهد مستمر .

   يجب على أبناء الطبقة الوسطى أن يتوكلوا على أنفشهم لا على الجامعة العارية من المبادئ الناظمة ولا على الحكومة التى لا قوة لها .

   ومن يود أن يعيش قويا فليبق قويا , ففى اطور الذى دخل العالم فيه حديثا لا يستطيع أحد أن يحافظ على شئ لا يعرف كيف يدافع عنه .

   إذا فالطبيعة مسوية أحيانا , ولكن لا كما يحلم الاشتراكيون , فالطبيعة تعيد ذرية صفوة الناس إلى حظيرة المساواة فى المستقبل , وأما الاشتراكيون فيودون التسوية بين الناس فى الحال .
   وقد بين الموسيو ( ريمون بوانكاره ) حديثا أن النائب الذى يكون فى بعض الأحيان متكبرا أمام البرلمان ليس سوى مسمار " لا يخطو خطوة من دون أن يسمع خشخشة قيود استعباده " , ولا يتأخر طرفة عين عن " الركوع أمام سلطان لجان الانتخابات " .       

  وعلى ذلك فالنائب الذى انتخب فأصبح لا يبالى بغير تجديد انتخابه وصار لهذا الغرض ينقاد لأحط غرائز الجموع هو بالحقيقة خطر على المجتمع .

   ليس من الضرورى أن تكون المبادئ الناظمة القادرة على قيادة الشعب كثيرة العدد إذا كانت متينة محترمة .             

   ونحن كذلك يجب أن نبذل جهودنا فى الدفاع عن المبدأ الوطنى الذى هو عنوان نظامنا الخلقى , ويتفرع من المبدأ المذكور كثير من المبادئ ولاسيما المبدأ القائل أن الأمة لا تعيش من غير جيش وسلسلة مراتب واحترام للسلطة وتهذيب نفسى .


   إن حب الوطن هو الملاط الاجتماعى الحقيقى الذى لا قوة للأمة بغيره , والوطن هو عنوان تراث القرون السالفة , ولما كنا لا نقدر على العيش بدونه فلنعش لأجله .

   وليست الدساتير والنظم والأساطيل هى التى توجب التحاما بين أجزاء الأمة وتمنحها عظمة , فقوة الأمة الحقيقية فى مثلها الأعلى , فالمثل الأعلى مع خفائه هو الذى يوجد الأشياء المنظورة ويقود النفوس , والأمة لكى تنال مثلا أعلى تجد قرونا كثيرة , وتقع فى طور الهمجية عندما تفقد ذلك المثل .

   الحوادث الطبيعية والحيوية والاجتماعية تابعة لضرورة مهيمنة , وقد احتاجت كل أمة فى أدوار التاريخ جميعها إلى المعتقد والسيف والعلم والخيال , فإذا حرمت إحدى هذه القوى الناظمة وخضعت لقوى مذبذبة ذات أهواء وردت موارد الهلاك .

   إذا الإرادة سيدة الأفراد والشعوب , فلتكن غاية التربية تقويتها لا إضعافها , وليست الصعوبة فى كسب الإرادة المؤقتة بل فى كسب الإرادة المستمرة , ولا تورث الإرادة القوية النفوس يأسا وقنوطا , فبها ينسف الإنسان الجبال ويبتدع كل شئ .


   وإذا كان التاريخ الحديث يدلنا على أمم ترتفع وأمم تقف , وأخرى تنحط فإن إنعام النظر يدلنا على أن ذلك كله ناشئ عن تفاوت فى إرادة تلك الأمم , فالإرادة لا القدر هى المهيمنة على العالم . 



تم تلخيص الكتاب 

0 التعليقات: