01‏/06‏/2016

روح السياسة 17

روح السياسة 17


الأشكال الحديثة لرغائب الشعب

    تظهر أنواع الاستبداد السابق مسماه بأسماء جديدة ، وستكون الحرية فى المستقبل كناية عن تباغض أبناء الوطن وتضاغنهم .

    الفوضى فى جميع البلدان تؤدى إلى الحكم المطلق الجائر ، كما أدت إليه فى روما وأثينا والجمهوريات الإيطالية .

  لا وسيلة للهرب متى تقابل الجيشان ، فيجب على أحدهما أن يختار أحد الأمرين :
فإما أن يلقى السلاح ويقع أسيرا وإما أن يحارب ، فإذا وقع أسيرا أصبح تحت رحمة الغالب الذى يملى عليه شروطه ، وإذا حارب فقد يتم له النصر وقد يغلب على أمره مع إنقاذ شرفه .

    إذا القرار الشافى الذى كان واجبا هو أن تعارك الحكومة المستندة إلى البرلمان جميع القوى المتحالفة ضدها ، نعم كان من الممكن أن ينضم إلى موظفى البريد عمال الكهرباء ومستخدمو السكك الحديدية وغيرهم ، وأن يقع شئ من الهوش فى شوارع باريس التى قد تصيبها المجاعة بضعة أيام ، غير أنه لا بد من ظفر الحكومة فى ذلك ، وإما إلقاء السلاح بنذالة وخنوع فقد جعل العراك فى المستقبل أمرا محتما ، ولا أحد يفهم من ينال النصر فيه ، فالجيش وإن كان يؤيد الحكومة فى هذا الزمن قد لا يدعمها بعد قليل من السنين .

   وعلى ذلك من الضرورى اجتياز فترة صعبة من الزمن لاجتناب فترات أكثر منها حرجا ، وأن ترقى الأمة يتم برقى أحوال الأفراد النفسية الذين تتألف منهم .

    وقد أثبتت تجارب الماضى أن العالم يخضع لأولى الجرأة حينما يكونون ذوى مثل أعلى مهما تكن قيمته ، فأصحاب العزم القوى والإيمان الراسخ هم الذين قضوا على أعظم الدول وأقاموا ديانات كبيرة استعبدت النفوس .

     فالحق ليس سوى قوة  مستمرة .

    مبدأ المزايدة الانتخابية الذى هو آفة النظام الديمقراطى .     
                      
    قال ( كاميل ديمولان ) : كان فى روما نائب اشتراكى ثقيل اسمه ( غراكوس ) فكان يعد العمال بوعود متعذر تحقيقها ، وبهذه الوعود الخلابة أصبح محبوبا من الشعب على حساب مجلس الشيوخ ، ولما ساور القلق هذا المجلس استأجر فوضويا اسمه ( دروزوس ) ليزايد ( غراكوس ) فى جميع اقتراحاته ، فكان إذا طلب ( غراكوس ) بيع رطل الخبز بأربعة دوانيق مثلا اقترح ( دروزوس ) بيعه بدانقين ، وهكذا حتى أضاع ( غراكوس ) محبة لشعب له فقتله عباده السابقون غير آسفين عليه .

    إن المزايدة الانتخابية أصدق وسيلة لقهر الخصوم ، ليس الوعد بالأمر الصعب ، ويمكن تأجيل ساعة انجازه وتحقيق أمره بحجة معارضة الأحزاب له ، إلا أنه يجئ وقت على الناخب يدرك فيه أنه خدع بالأوهام ، والأوهام لا تزول من نفس المرء من غير أن يسخط كما هو معلوم .

    والنائب اليوم عبد لجنته الانتخابية ما رد على من لا يعول على أصواتهم أيام الانتخابات ، أى يجب عليه أن يسير حسب منافع ذوى التأثير من ناخبيه وأحقادهم .

    وعلى رغم ذلك ترى بين النواب من هم ذوى قلب سليم ، ولكن هؤلاء بعد أن يجتمعوا ويكتسبوا ما للجماعة من صفات يعجزون عن عمل أى شئ .

    الموظفين إذا لم يكبح جماحهم لا يبهظون الميزانية فقط بل يقيمون فى وسط الدولة دولا صغيرة مكان السلطات الأخرى ، وهم يطيعون الحكومات ما دامت تجيبهم إلى رغباتهم .

    فالجماعات لا تحترم سوى الحكومات القوية ، وهى لا تكون شاكرة لمن تنال منه رغائبها بقوة التهديد بل تحتقره وتنظر إليه شزرا .

    ولاعتقاد رؤساء السلطة عجزهم تراهم لا يبالون بالأمور العامة ، ولا يفكرون إلا فى منافعهم الشخصية ، ومن وقت إلى آخر تنشأ عن هذا التخلى وتلك الفوضى نكبة جديدة ، فالضأن تخلع الطاعة فى آخر الأمر .

    نعم إن للحرية أنصارا من أصحاب العلوم النظرية ، ولكن الاستبداد هو الذى يستهوى الجماعات وقادتها .

   

0 التعليقات: