39- وجوب التورع في المطاعم والمشارب
والاجتناب عما لا يحل منها لقوله تعالى :"حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة" المائدة ٣وقوله تعالى :"قل لا اجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الإ أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به" الأنعاموقوله تعالى:" إنما الخمر والميسر والأنصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه" المائدة ٩٠وقوله تعالى:" يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير" البقرة ٢١٩ فأثبت فيها الإثموقال في آية اخرى:" قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق" الأعراف ٣٣ فحرم الإثم نصاويقال ان الإثم اسم من أسماء الخمر
وينشده
... شربت الاثم حتى ضل عقلي ... كذاك الاثم يذهب بالعقول ... ولحديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين سئل رسول الله عن البتع فقال:" كل شراب أسكر فهو حرام"وحديث ابن عمر رضي الله عنهما في صحيح مسلم :"كل مسكر خمر وكل خمر حرام"وحديثه في الصحيحين:" من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة"وحديث أبي هريرة رضي الله عنه فيهما:"أتي رسول الله ليلة أسري به بإيلياء بقدحين من خمر ولبن فنظر اليهما ثم أخذ اللبن فقال له جبريل عليه السلام الحمد لله الذي هداك للفطرة لو أخذت الخمر لغوت أمتك"
ولحديثه فيهما:" ولا يشرب الخمر الشارب حين يشرﺑﻬا وهو مؤمن" وقيل لبعض العرب لم لا تشرب النبيذ فقال والله ما أرضى عقلي صحيحا فكيف أدخل اليه ما يفسده.
وعن الحكم بن هشام انه قال لابن له يا بني إياك والنبيذ فإنه قيء في شدقك وسلح على عقبك وحد في ظهرك وتكون ضحكة للصبيان وأسيرا للديان.
وعن بعض الحكماء أنه قال لابنه يا بني ما يدعوك إلى النبيذ قال يهضم طعامي قال والله يا بني هو لدينك أهضم.
وعن عبدالله بن إدريس
... كل شراب مسكر كثيره ... من تمرة أو عنب عصيره ... فإنه محرم يسيره ... إني لكم من شره نذيره ... وعن ابي بكر بن ابي الدنيا أنه انشده ابوه
... وإذا النبيذ على النبيذ شربته ... أزرى بدينك مع ذهاب الدرهم ...
وأنشدنا الحسين بن عبد الرحمنأرى كل قوم يحفظون حريمهم ... وليس لأصحاب النبيذ حريم... إذا جئتهم حيوك ألفا ورحبوا ... وإن غبت عنهم ساعة فذميم
... أخاهم إذا ما دارت الكأس بينهم ... وكلهم رث الوصال سؤوم
... فهذا ثنائي لم أقل بجهالة ... ولكن بحال الفاسقين عليم ... وفي صحيح مسلم وغيره من حديث ابي هريرة رضي الله عنه:" أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال:" يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إنى بما تعملون عليم" المؤمنون
٥١وقال: "يا أيها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون" البقرة ١٧٢ ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمة حرام وملبسه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له.
وفي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه:" إن الحلال بين وإن الحرام بين وبين ذلك مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى وحمى الله في الأرض محارمه".
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة :"إني لانقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي أو في بيتي فأرفعها لآكلها ثم اخشى أن تكون من الصدقة فألقيها".وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت :"كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج وكان أبو بكر يأكل من خراجه فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام أتدري ما هذا فقال أبو بكر رضي الله عنه وما هو قال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه قالت فأدخل ابو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه".
وعن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شرب لبنا فأعجبه فقال للذي سقاه من أين لك هذا اللبن فأخبره انه ورد على ماء قد سماه فإذا نعم من نعم الصدقة وهم يسقون فحلبوه لي من ألباﻧﻬا فجعلته في سقائي وهو هذا فأدخل عمر يده فاستقاءه.
وعن علي رضي الله عنه في طيب مطعمه انه كان يجاء بخبزه في جراب من المدينة.
أنبأنا البيهقي بإسناده عن بشر بن الحارث قال قال يوسف ابن اسباط إذا تعبد الشاب يقول إبليس انظروا من أين مطعمه فإن كان مطعمه مطعم سوء قال دعوه لا تشتغلوا به، دعوه يجتهد وينصب فقد كفاكم نفسه.
وعن حذيفة المرعشي إنه نظر إلى الناس يتبادرون إلى الصف الأول فقال ينبغي أن يتبادروا الى أكل خبز الحلال
وعن الفضيل بن عياض قال سئل سفيان الثوري عن فضل الصف الأول فقال انظر كسرتك التي تأكل من أين تأكلها وصل في الصف الأخير.
وعنه أيضا انظر درهمك من أين هو وصل في الصف الأخيروعن سري السقطي انه كان لا يأكل من بقل السواد ولا من ثمره ولا من شيء يعلم أنه منه ويشدد في ذلك وكان غاية في الورعومع ذلك قال كنت بطرسوس وكان معي في الدار فتيان يتعبدون وكان في الدار تنور يخبزون فيه فانكسر التنور، مضملت بدله من مالي فتورعوا أن يخبزوا فيه.
وعنه قال كان أبو يوسف الغسولي يلزم الثغر ويغزو فكان إذا غزا مع الناس ودخلوا بلاد الروم أكل اصحابه من ذبائحهم وفواكههم وهو لا يأكل فيقال له يا أبا يوسف أتشك انه حلال فيقول لا فيقال له فكل من الحلال فيقول إنما الزهد في الحلال.
وعن السري قال رجعت من بعض المغازي فرأيت في طريقي ماء صافيا وحوله عشب من حشيش قد نبت فقلت في نفسي يا سري إن كنت يوما أكلت أكله حلال وشربت شربة حلال فاليوم فنزلت عن دابتي فأكلت من ذلكالحشيش وشربت من ذلك الماء فهتف بي هاتف سمعت الصوت ولم أر الشخص يا سري بن المغلس فالنفقة التي بلغتك إلى ها هنا من أين هي فقصر إلي نفسي.
وروي عن بعضهم أنه كان يطلب الحلال فاستدل عليه فدل على الحسن البصري بالبصرة فسافر اليه من بلاده البعيدة فقال له الحسن إنني رجل واعظ أكل من هدايا الناس وضيافاﺗﻬم لكنني أدلك على رجل ببلاد سجستان تراه في مزرعته له بقرة قد جعل لها في أحد طريقيها تبنا وشعيرا وفي الآخر ماء فإذا وصلت الى التبن والشعير عرضهما عليها وإذا وصلت الى الماء عرضه عليها فقال فتوجه الرجل إليه فوجده كذلك فسلم عليه وقص عليه حاله فبكى الرجل وقال قد صدقك الإمام أبو سعيد لكن زال ذلك عني بسبب أن البقرة عبرت ذات يوم أرض جاري وقد اشتغلت عنها بعلاتي فعادت إلى أرضي وقوائمها ملطخة بطينها واختلط ذلك بطين أرضي فصارت شبهة عد اليه ليدلك على غيري وبكى.
وعن أبي عبدالله بن الجلاء قال اعرف من أقام بمكة ثلاثين سنة لم يشرب من ماء زمزم غلا ما استقاه بركوته ورشائه ولم يتناول من طعام جلب من مصر شيئا.
وعن بشر بن الحارث الحافي بن عبد الرحمن قال سمعت المعافى عمران يقول كان عشرة فيمن مضى من أهل العلم ينظرون الحلال الشديد لا يدخلون بطوﻧﻬم إلا ما يعرفون أنه من الحلال وإلا استفوا التراب ثم عد بشر إبراهيم بن أدهم وسليمان الخواص وعلي بن فضيل بن عياض وأبا معاوية الاسود ويوسف بن أسباط ووهيب بن الورد وحذيفة شيخا من أهل حران وداود الطائي وعد بشر عشرة
وعن يحيى بن معين المحدث
... المال يذهب حلة وحرامة ... يوما وتبقى في غد آثامه
... ليس التقي بمتق لإلهه ... حتى يطيب شرابه وطعامه... ويطيب ما تحوي وتكسب كفه ... ويكون في حسن الحديث كلامه ... نطق النبي لنا به عن ربه ... فعلى النبي صلاته وسلامه ... وسئل سفيان الثوري عن الورع فأنشد
... إني وجدت فلا تظنوا غيره ... هذا التورع عند هذا الدرهمفإذا قدرت عليه ثم تركته ... فاعلم بأن هناك تقوى المسلم ... وعن محمد بن عبدالكريم المروزي لما ولي يحيى بن أكثم القضاء كتب إليه أخوه عبدالله بن أكثم من مرو وكان من الزهاد
... ولقمة بجريش الملح تأكلها ... الذ من تمرة تحشى بزنبور
... وأكله قربت للهلك صاحبها ... كحبة الفخ دقت عنق عصفور ... وعن ابراهيم بن هشيم انه استوصاه صاحب له عند وداعه فقال أوصيك أن يكون عملك صالحا وتأكل طيبا
0 التعليقات:
إرسال تعليق