روح السياسة 26
الدفاع الاجتماعى
نعلم أن روح الأمة تتآلف من شبكة
من التقاليد والمعتقدات والمشاعر العامة والأساطير التى تبت أمرها بفعل الوراثة ,
فهذه هى الروح التى تعين على شكل غير شعورى وجهة أفكارنا واتجاه سيرنا وبفضلها
تفكر الأمم تفكيرا متماثلا وتسير سيرا متشابها فى طرق معاشها الأساسية .
والأمل أكبر باعث للحركة على
الدوام , فالوهم يستولى الأفئدة , وأما
الحقائق الباردة فلا توقد نار الحمية فى أحد , ثم إن بذر الأوهام فى النفوس أسهل
من بذر الحقائق فيها .
وتستلزم كل حضارة شيئا من الضغط
والقسر , ولا تكون الأمة متمدنة إلا إذا علمت كيف تتحمل هذا الضغط والقسر , فلولا
الروادع الاجتماعية القوية لما خرجت الأمم من طور الهمجية , وهى تعود إلى ذلك
الطور عندما تضعف تلك الروادع .
ولا
تبقى الروابط الاجتماعية التى هى وليدة الحضارة إلا بجهد مستمر .
يجب على أبناء الطبقة الوسطى أن
يتوكلوا على أنفشهم لا على الجامعة العارية من المبادئ الناظمة ولا على الحكومة
التى لا قوة لها .
ومن يود أن يعيش قويا فليبق قويا
, ففى اطور الذى دخل العالم فيه حديثا لا يستطيع أحد أن يحافظ على شئ لا يعرف كيف
يدافع عنه .
إذا فالطبيعة مسوية أحيانا ,
ولكن لا كما يحلم الاشتراكيون , فالطبيعة تعيد ذرية صفوة الناس إلى حظيرة المساواة
فى المستقبل , وأما الاشتراكيون فيودون التسوية بين الناس فى الحال .
وقد بين الموسيو ( ريمون
بوانكاره ) حديثا أن النائب الذى يكون فى بعض الأحيان متكبرا أمام البرلمان ليس
سوى مسمار " لا يخطو خطوة من دون أن يسمع خشخشة قيود استعباده " , ولا
يتأخر طرفة عين عن " الركوع أمام سلطان لجان الانتخابات " .
وعلى
ذلك فالنائب الذى انتخب فأصبح لا يبالى بغير تجديد انتخابه وصار لهذا الغرض ينقاد
لأحط غرائز الجموع هو بالحقيقة خطر على المجتمع .
ليس من الضرورى أن تكون المبادئ
الناظمة القادرة على قيادة الشعب كثيرة العدد إذا كانت متينة محترمة .
ونحن كذلك يجب أن نبذل جهودنا فى الدفاع عن المبدأ الوطنى الذى هو عنوان
نظامنا الخلقى , ويتفرع من المبدأ المذكور كثير من المبادئ ولاسيما المبدأ القائل
أن الأمة لا تعيش من غير جيش وسلسلة مراتب واحترام للسلطة وتهذيب نفسى .
إن حب الوطن هو الملاط الاجتماعى
الحقيقى الذى لا قوة للأمة بغيره , والوطن هو عنوان تراث القرون السالفة , ولما
كنا لا نقدر على العيش بدونه فلنعش لأجله .
وليست الدساتير والنظم والأساطيل
هى التى توجب التحاما بين أجزاء الأمة وتمنحها عظمة , فقوة الأمة الحقيقية فى
مثلها الأعلى , فالمثل الأعلى مع خفائه هو الذى يوجد الأشياء المنظورة ويقود
النفوس , والأمة لكى تنال مثلا أعلى تجد قرونا كثيرة , وتقع فى طور الهمجية عندما
تفقد ذلك المثل .
الحوادث الطبيعية والحيوية
والاجتماعية تابعة لضرورة مهيمنة , وقد احتاجت كل أمة فى أدوار التاريخ جميعها إلى
المعتقد والسيف والعلم والخيال , فإذا حرمت إحدى هذه القوى الناظمة وخضعت لقوى
مذبذبة ذات أهواء وردت موارد الهلاك .
إذا الإرادة سيدة الأفراد
والشعوب , فلتكن غاية التربية تقويتها لا إضعافها , وليست الصعوبة فى كسب الإرادة
المؤقتة بل فى كسب الإرادة المستمرة , ولا تورث الإرادة القوية النفوس يأسا وقنوطا
, فبها ينسف الإنسان الجبال ويبتدع كل شئ .
وإذا كان التاريخ الحديث يدلنا
على أمم ترتفع وأمم تقف , وأخرى تنحط فإن إنعام النظر يدلنا على أن ذلك كله ناشئ
عن تفاوت فى إرادة تلك الأمم , فالإرادة لا القدر هى المهيمنة على العالم .
تم تلخيص الكتاب